»نشرت فى : الأحد، 21 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ألفاظ القرآن عند السامرائي

لا ريب أن الألفاظ هي أداة القرآن في تعبيره، فالناظر في القرآن والمتأمل في آياته يجب ان يستوعب دلالات ومعاني هذه الألفاظ، وكيف استعملها القرآن من خلال سبر أغوار المفردة بطول القرآن وعرضه فلا يكفي معرفة المعنى المعجمي للمفردة فقط إذ ان القرآن له استعمال خاص للمفردة العربية المكونة لآيات هذا الكتاب العزيز.
( بلاغة الكلمة في التعبير القرآني ) حيث كان دافعه لتأليف هذا الكتاب كما يقول " لم ار كتابا يبحث في المفردة في القرآن الكريم ويبوبها على موضوعات ويجمع ما تشابه من ذلك ويدرسه فحأولت أن أضع بداية متواضعة في هذا الموضوع "(1) وفي الكتاب عدة أمور منها :-

الحذف والذكر

يقرر الدكتور فاضل السامرائي ان القرآن " يحذف من الفعل للدلالة على ان الحدث أقل مما لم يحذف منه وان زمنه أقصر ونحو ذلك فهو يقتطع من الفعل للدلالة على الاقتطاع من الحدث أو يحذف منه في مقام الايجاز والاختصار بخلاف مقام الاطالة والتفصيل "(2) " ومن ذلك على سبيل المثال قوله تعالى : (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ)القدر4 وقوله (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِين تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ)الشعراء 221- 223فقال في هذه الايات (تَنَزَّلُ) في حين قال :( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)
فصلت 30 فقال في آيتي القدر والشعراء (تَنَزَّلُ) بحذف احد التاءين وقال في فصلت : (تتنزل ) من دون حذف وذلك والله اعلم ان التنزل في اية فصلت اكثر مما في الايتين الاخريين ذلك ان المقصود بها :
ان الملائكة تنزل على المؤمنين عند الموت لتبشره بالجنة وهذا يحدث على مدار السنة في كل لحظة ففي كل لحظة يموت مؤمن مستقيم فتتنزل لتبشره بالجنة فأعطى الفعل كل صيغته ولم يحذف منه شيئا واما آية الشعراء فان التنزل فيها اقل لان الشياطين لا تتنزل على كل الكفرة وانما تتنزل على الكهنة أو على قسم منهم وهم الموصوفون بقوله (كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ) ولا شك ان هؤلاء ليسوا كثيراً في الناس وهم ليسوا بكثرة الأولين ولا شطرهم بل هم قلة فاقتطع من الحدث فقال : (تنزل) بحذف احد التاءين.وكذلك ما في سورة القدر فان تنزل الملائكة انما هو في ليلة واحدة في العام وهي ليلة القدر فهو اقل من التنزل الذي يحدث باستمرار على من بحضره الموت فاقتطع من الحدث (3) ومثلها الفاظ (توفاهم/ تتوفاهم ) و( تفرقوا/تتفرقوا) و(تولوا /تتولوا) وغيرها (4) وليس الفعل بل واي كلمة تختلف عن اختها في زيادة حرف أو نقصانه.

الإبدال

وهو وضع مفردة بدلاً عن مفردة أخرى شبيهة بها مثال ذلك مكة وبكة في قوله تعالى (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ) آل عمران 96 وفي الفتح (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) الفتح24 " فقال في اية آل عمان (بكة) وقال في الفتح (مكة) وسبب ايرادها بالباء في ال عمران ان الاية في سياق الحج (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) فجاء بالاسم (بكة) من لفظ (البك) الدال على الزحام لانه في الحج يبك الناس بعضهم بعضاً أي يزحم بعضهم بعضا وسميت (بكه) لانهم يزدحمون فيها وليس السياق كذلك في آية الفتح فجاء بالاسم المشهور لها اعني (مكة) بالميم.(5) ومشابه لذلك (بسطة/بصطة) و(اللائي/اللاتي ) وغيرها (6).

المترادفات

في القرآن الفاظ مترادفة كثيرة ولا يكفي المعنى المعجمي للتعليل نظراً لتقارب المعنى لهذه المترادفات ولكن للدكتور فاضل السامرائي طريقته في تعليل الاختلاف بين المترادفات واختيار تلك المفردة عن غيرها فهو يلجأ للسياق وكذلك النسق التعبيرية وجو النص وما يناسبه من مترادفة وثالثة باحصاء اعداد تلك المفردة وكثرة ورودها في موضع عن آخر كعلة في مجيئها ومن ذلك الفرق بين جاء وأتى في الاستعمال يقول الدكتور فاضل السامرائي " والذي استبان لي أن القرآن الكريم يستعمل المجيء لما فيه صعوبة ومشقة أو لما هو أصعب وأشق مما يستعمل له (أتى) فهو يقول مثلا (فَإِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) المؤمنون 27 وذلك لان المجيء فيه مشقة وشدة وقال (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ) ق19 فاختار لما هو اصعب وأشق (جاء) ولما هو أيسر (أتى) "(7) فهو لم يخلص الى الرأي الا بعد استقراء كل الايات التي فيها المفردتان متكئاً على معاجم اللغة ودلالات الالفاظ .. ومن ذلك الفرق بين أرسل وبعث " فالبعث قد يكون فيه معنى الارسال وقد يكون الانهاض فالمقام في سورة الشعراء مقام زيادة تحد وقوة مواجهة قال ملأ فرعون (وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ) فلم يكتفوا بالارسال بل أرادوا أن ينهضوا من المجتمع حاشرين علأوة على الرسل وهؤلاء من مهمتهم الاثارة وتهييج الناس على موسى وهذا المعنى لايؤديه لفظ (أرسل) "(8) الى غيرها من المترادفات ..

خط القرآن

ليس المقصود بعبارة (خط القرآن) هو الرسم العثماني إنما المقصود طريقة القرآن المطردة في التعبير أو السمة الغالبة على القرآن عند التعامل مع تلك اللفظة أو غيرها.
يقول الراغب الاصفهاني في مفرداته " كل موضع ُذُكر في وصف الكتاب آتينا فهو أبلغ من كل موضع ُذكر فيه أوتوا لأن أوتوا قد يُقال اذا ولى من لم يكن منه قبول وآتيناهم يُقال فيمن كان فيه قبول "(9) فجاء الدكتور السامرائي من بعده ليعيد صياغة العبارات نفسها فيقول " القرآن الكريم يستعمل أوتوا الكتاب في مقام الذم ويستعمل آتيناهم الكتاب في مقام المدح"(10) وبهذا التتبع لخط القرآن في التعبير سار الدكتور السامرائي ووسع الامر ومن ذلك " كل موضع في القرآن يذكر فيه المغفرة يجب ان يذكر فيه الذنوب والكافرين وفي سائر القرآن لما يضيف المغفرة للأجر الكبير لابد ان يسبقها أو يأتي بعدها الذنوب أو الكافرين "(11) ومن ذلك قوله " كل سورة بدأت بسبح الماضية (سبح) يجري فيها ذكر للقتال"(12) وغيرها كثير.


ü الهوامــش :
1/ بلاغة الكلمة في التعبير القراني للدكتور فاضل السامرائي ص7
2/نفسه ص11
3/نفسه ص12-13
4/ انظر بلاغة الكلمة الصفحات 13و24و50
5/ نفسه ص56
6/نفسه ص 56و ص62
7/ لمسات بيانية ص 97-98
8/ التعبير القراني ص330
9/مفردات غريب القران للراغب الاصفهاني ص18
10/برنامج لمسات بيانية قناة الشارقة الفضائية حلقة يوم 23/4/2007م
11/ برنامج لمسات بيانية يوم 19/3/2007 م
12/ برنامج لمسات بيانية يوم 15/2/2007 م

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015