»نشرت فى : الأحد، 21 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

كـــامـيرا أحـمد زويـل*

في ديسمبر 1999م اهتزت الاوساط العلمية إندهاشا بحصول العالم العربي الدكتور / أحمد زويل على جائزة نوبل في الكيمياء .. وليكن اندهاش الغرب بأقل من اندهاش العالم العربي لحصول عالم عربي على هذه الجائزة الرفيعة وبالتحديد في مجال علم طبيعي – كالكيمياء – خصوصا والعالم العربي يرزح تحت ظل التخلف العلمي الذي وسم به خلال القرون الأخيرة ..
لكن مع هذا كله صفق الجميع تهليلا لهذا الانجاز وسارعت كل وسائل الإعلام لتغطية هذا الحدث متناولة الإنجاز العلمي للدكتور /أحمد زويل من ناحية وشخصية أحمد زويل من ناحية أخرى ..
فالدكتور /أحمد زويل استطاع أن يكسر احتكار الجائزة على الغرب للمرة الثانية – في المجال العلمي – بعد الدكتور / محمد عبد السلام  الباكستاني الجنسية والذي حصل على نفس الجائزة في عام 1979م في الفيزياء الذرية..والسؤال الذي يفرض نفسه ماذا قدّم الدكتور / أحمد زويل من اكتشاف في علم الكيمياء مما أهله للحصول على جائزة نوبل ؟! جاء في تقرير جائزة نوبل ما يلي” استخدمت تقنية ( زويل ) فيما يمكن وصفه بأسرع كاميرا في العالم والتي استخدمت فيها ومضات ليزر فائقة القصر إلى الحد الذي توصلنا فيه إلى المقياس الزمني الذي تقع فيه التفاعلات الكيميائية بالفعل .. والآن فإنه يمكننا أن نرى تحركات الذرة المفردة كما نتخيلها وبالتالي لم تعد هذه الذرات أشياء غير مرئية “.ولكي نوضح هذا الكلام دعونا نعود من البداية...
آلية التفاعلات الكيميائية
منذ أن عرف الإنسان الذرة وهو يغوص  في معرفة ماهيتها حتى استطاع أن يصل إلى التركيب الداخلي للذرة ، لكنه لم يكتفِ بذلك فمع تقدم التكنولوجيا بدأ البحث عن التفاعلات الكيميائية كيف تتم ؟ وما هي آلية التفاعل ؟  ..
ما نعرفه عن التفاعلات الكيميائية أن على المواد الداخلة في التفاعل أن تتسلق جبلا من الطاقة لكي تصل إلى نواتج التفاعل  وكأن المواد الداخلة في التفاعل في واد والمواد الناتجة في واد آخر ويفصل بينهما جبل الطاقة هذا الذي يجب أن تعبره المواد الداخلة في التفاعل ويجب أن تمر في مرحلة تسمى المرحلة الانتقالية transition state وهو تعبير مجازي لنوع من المركبات الوسيطة  التي تتشكل كخطوة وسطى بين المواد الأصلية الداخلة في التفاعل والنواتج النهائية وفي هذه المرحلة تنكسر الروابط الكيميائية لتكوين روابط جديدة وعبر الجزيء الحالة الانتقالية بنفس سرعة حركة الذرات في الجزيء وهي سرعة عالية تصل إلى ألف متر في الثانية والزمن اللازم لحركة الذرات في الجزيء ضئيل جدا يقدّر بعشرة فيمتو ثانية femtosecond  ( 1 فيمتو ثانية = 10- 15 ثانية) و الفيمتو ثانية بالنسبة للثانية كمثل الثانية بالنسبة لحقبة زمنية قدرها 32 مليون سنة إذ أن الفيمتو ثانية هو واحد على مليون من بليون من الثانية ..
وسرعة هذه التفاعلات تزداد بزيادة الحرارة التي تجعل الحركة الجزيئية للذرات أكثر عنفا وكان العالم ( سفانت ارهينيوس) قد قدم في عام 1889م شرحا للتغير في سرعة التفاعلات الكيميائية بالتغير في درجة الحرارة عن طريق معادلة توضح ذلك وقد منح جائزة نوبل  لعام 1903م واستمرت معادلته تستخدم لأكثر من قرن من الزمان ..
كل هذا لم يتم رصده بشكل معاينة بل تحليلا وتخمينا نظرا لضآلة الزمن الذي تستغرقه العملية ( خصوصا المرحلة الانتقالية ) وكانت حلما رؤية هذه العمليات عيانا حتى جاء الدكتور / أحمد زويل.
من هو أحمد زويل ؟
ولد أحمد حسن زويل في ( دمنهور ) مصر عام 1946 م واكمل دراسته الجامعية عام 1967 م ودراسته العليا( الماجستير ) عام 1969 م قسم الكيمياء جامعة الأسكندرية ومن ثم سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإكمال دراسة الدكتوراه والتي حصل عليها عام 1974 م  من جامعة بنسلفانيا وبعد عامين قضاهما في جامعة كاليفورنيا في بيركلي التحق بجامعة كالتك حيث بدأ تجاربه حول علم الفيمتو كيمياء femtochemistry هناك وقدم ورقته البحثية حول التجربة  الأولى في عام 1987م والتي بسببها حصد الكثير من الجوائز العالمية كجائزة الملك فيصل العالمية (1989م) وجائزة وولف( 1993م) وجائزة ويلش(1997 م) وجائزة بنجامين (1998 م) وتوجها بجائزة نوبل عام 1999م وغيرها من الجوائز والأوسمة..
 وهو الآن  استاذ كرسي ( لاينوس بولنج) للكيمياء واستاذ فيزياء ( عين في هذا المنصب عام 1993 م) ومدير لمختبر المؤسسة القومية للعلوم الجزيئية ( منذ عام 1996 م) ورئيس تحرير مجلة chemical physical letters .
أسرع كاميرا في العالم
.. قدم الدكتور / أحمد زويل كاميرا تقوم بتصوير الجزيئات اثناء التفاعل الكيميائي ( خصوصا المرحلة الانتقالية ) وقد بنيت هذه الكاميرا على تقنية ليزر جديد بومضات ضوئية في بضع عشرات فيمتو ثانية  فبعد إدخال المواد المكونة للتفاعل إلى مطياف جهاز الفيمتو ثانية  على شكل حزم من المواد الجزيئية في غرفة تفريغ يقوم ليزر فائق السرعة femtoscopy laser بإدخال نبضتين الأولى قوية تصدم الجزيئات وتثيرها إلى حالة من الطاقة العالية  فتتأرجح كل الجزيئات في آن واحد تحت تأثير الترابط الجزيئي بينها وكأنها صفوف منضبطة في كتيبة عسكرية والنبضة الثانية هي نبضة جس ضعيفة probe pulse  يتم اختيارها في طول موجي مناسب لاكتشاف الجزيء او صورة معدلة منه ..
 وسبب نجاح هذه التقنية أن النبضة الأولى هي إشارة البدء للتفاعل بينما النبضة الثانية تفحص كل ما يجري في التفاعل من حركة بطريقة ستروبوسكوبية Spctroscopy  ( أي رؤية الجسم المتحرك بنفس سرعة دوران الجهاز نفسه وكأن الجسم المتحرك ساكن ) وكأننا نوقف حركة صورة الذرات لالتقاطها وتسمى هذه العملية الفيمتو سكوبي  femtoscopy ...
والفاصل الزمني بين النبضتين يمكن فيه ملاحظة مدى سرعة التحول والأوضاع الجديدة التي بأخذها الجزيء عند إثارته واجتيازه للمرحة الانتقالية ( يقدر بزمن عشرة فيمتو ثانية  ) ويمكن زيادة هذا الفاصل الزمني بجعل نبضة الجس ( النبضة الثانية ) تدور دورة بواسطة مرايا ..
والصور التي تظهر للجزيء أثناء إثارته تترك لها اطياف – وكأنها بصمات أصابع – يمكن رؤيتها على الشاشة وبتتابع النبضات  والصور نحصل على  فيلم ( إن صح التعبير) يعرض حركة الجزيئات في أهم رحلة من مراحل التفاعل الكيميائي وهي المرحلة الانتقالية ( تكسر الروابط) على شكل خطوات بطيئة تلاحقة وكأننا نشاهد إعادة بطيئة لهدف في رمى كرة قدم ؟!!!
علم الفيمتو كيمياء
بظهور هذه التقنية ولد علم جديد هو علم كيمياء الفيمتو femtochemistry  والذي غير نظرتنا للتفاعلات الكيميائية فمن التخيل إلى واقع مشاهد لأحداث هذا التفاعل وبهذه الكاميرا العملاقة يمكننا رصد أي تفاعل كيميائي وهذا ما قدمه الدكتور / أحمد زويل في تجاربه الأولى  حيث تمكن مشاهدة الحالة الانتقالية في لحظة تكسر بين اليود والكربون في انحلال جزيء الايودسيانيد iodocyanide وتم التفاعل في 200 فيمتو ثانية..
ثم تلتها  تجارب أخرى على جزيئات أكبر تعقيدا مثل عمليات التحول الفعال للكاقة في جزيء الكلوروفيل في عملية البناء الضوئي ون ث الحكض النووي DNA والبروتينات ..
إن تطبيقات الفيمتو كيمياء في مجالات البيولوجيا وعلم المواد الصلبة وكل أفرع الكيمياء والطب ستفتح ابواب العلم على مصراعيها في ثورة علمية غير مسبوقة..
* نشرت في الملحق العلمي لمجلة العربي الكويتية عدد مايو2009م

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015