»نشرت فى : الخميس، 25 نوفمبر 2010»بواسطة : »هناك تعليق واحد

من أسرار المادة المضادة


.. ماذا يحدث عندما تسمع عبارة ضديد المادة أو المادة المضادة  antimatter ؟
قد لا تستوعب المسمى لان الأمر يبدو غريبا وغير واقعي ؟!
لكن علماء ناسا وباحثي الجامعات يرون ان ضديد المادة سيكون وقودا للسفر عبر الفضاء في المستقبل ..كيف ذلك ؟
عندما تلتقي المادة مع ضديدها تبيد كلا منهما الأخرى وتتحول كامل كتلتيهما إلى طاقة صافية هذه الطاقة هي الوقود المطلوب ...لكن ما هو ضديد المادة ؟ الأمر يحتاج إلى توضيح ...
البداية من المادة
تصف اغلب كتب الفيزياء ان المادة ما كان لها كتلة وتشغل حيزا من الفراغ وكل مكونات الطبيعة تتكون من مادة. فإذا كان الامر كذلك فأين المادة المضادة ؟ .. دعونا نعود إلى ثلاثينات القرن العشرين لنعرف الإجابة ....
في عام 1928م صاغ الفيزيائي البريطاني بول ديراك (1902-1984) نظرية لحركة الالكترونات في مجال كهرومغناطيسي متضمنا تأثيرات النسبية العامة ..
معادلاته وضحت الكثير من خواص الإلكترون إلى جانب انها تنبأت بإلكترون ضديد له نفس كتلة الإلكترون لكن باشارة موجبة ( شحنة الإلكترون سالبة) ..تم اكتشاف هذا الضديد من قبل كارل اندرسون عام 1932م وسمي البيزترون positron   وكان هذا هو المثال الاول لضديد المادة.
في عام 1955 تم اكتشاف ضديد البروتون  antiproton في بيركلي ، ليتم صناعة ضديد الهيدروجين antihydrogen  عام 1995م في  CERN( معجل الجسيمات الأوربي) بدمج ضديد البروتون مع ضديد الإلكترون لكن ضديد الهيدروجين هذا لم يدم طويلا لقد سار بسرعة الضوء تقريباً وعاش حوالي 40 نانوثانية....(1)

خمسة أسرار عظمى للمادة المضادة**

1/ أين هي كل المادة المضادة؟

وفقاً للنظرية القياسية (2) ، المادة والمادة المضادة تم إنشاؤهما بكميات متساوية في الانفجار العظيم لذا ينبغي لها أن تفني بعضها البعض تماماً في اول ثانية تقريباً لوجود الكون والكون ينبغي أن يكون مليئاً بالضوء .
 بالرغم من ذلك نحن هنا، وكذلك الكواكب والنجوم والمجرات، و كل شيء يمكن أن نراه، ُصنع حصرياً من المادة.
 هناك حلان من الحلول المعقولة لهذا اللغز الوجودي.
  الحل الأول: قد تكون هناك بعض الاختلافات الطفيفة في فيزياء المادة والمادة المضادة التي تركت الكون في وقت مبكر مع وجود فائض من المادة.  بينما تقول النظرية إن المادة المضادة في العالم هو انعكاس كامل لنا، والتجارب قد وجدت بالفعل خدوشاً مشبوهة في التناظر.  في عام 1998 ، تجارب سيرن أظهرت أن جسيمة غريبة واحدة بعينها هي الكاون kaon، تحولت إلى ضديد الجسيمة لكن أكثر بقليل من حدوث عكس ذلك حدث، صانعة حالة من عدم التوازن الصغير بين الاثنتين.  ذلك التقدم تبعته التجارب في المعجلات في كاليفورنيا واليابان، والذي كشف في عام 2001 بشكل مماثل وأكثر وضوحاً عدم التماثل بين جسيمات من نفس عائلة kaons المسماة بميزونات  Meson B 3.
 والحل الثاني: المعقول للغز المادة، هو أن الإبادة لم تكن كاملة في تلك الثواني القليلة الأولى: بطريقة  ما المادة المضادة والمادة تمكنتا من الفرار من قبضة بعضها البعض القاتلة، و في مكان ما هناك، في بعض منطقة تماثل الكون، المادة المضادة تكمن وقد تألفت من النجوم المضادة والمجرات المضادة وربما حتى الحياة المضادة!
عندما الكون برد بعد الانفجار العظيم في البداية قد يكون لدينا مادة زائدة هنا، والمادة المضادة زائدة بقليل في مكان آخر هذه الاختلافات الصغيرة، يمكن أن تتوسع إلى مناطق منفصلة كبيرة بمرور الوقت.  مجالات المادة المضادة هذه إذا كانت موجودة هي بالتأكيد ليست قريبة.  الإبادة في مناطق الحدود بين النجوم والنجوم المضادة، تنتج هذا التوقيع الذي لا تخطئه العين من أشعة جاما العالية الطاقة.  إذا كانت مجرة مضادة اصطدمت مع مجرة عادية فمن شأنه أن يؤدي إلى إبادة تكون ذات أبعاد هائلة لا يمكن تخيلها لكن لم نر أي بادرة من هذا القبيل، ولكن من ناحية أخرى هناك الكثير من الكون، الذي لم نشاهده حتى الآن، ومناطق بأكملها بعيدة من أن تُرى .
 إيجاد الهليوم المضاد، أو أي ضديد ذرات أخرى أثقل من الهيدروجين سيكون دليلاً ملموساً لكون مضاد.  فهذا يعني أن النجوم المضادة هي مطبخ للذرات المضادة من خلال الانصهار النووي، تماماً كما النجوم العادية تدمج الذرات العادية.  

2 / كيف نصنع مادة مضادة؟

إذا أردنا حقاً فهم أسرار المادة المضادة، يجب علينا أولاً أن نتمكن من التأقلم مع المادة نفسها.
القول أسهل من الفعل، ولكن من الصعب أن نمسك بمادة تختفي بمجرد أن تلمس أي شيء؟ ATRAPALPHA تجربتان من تجارب سيرن، هما ATRAP وALPHA تتعاملان مع هذه المسألة.  ان هدفهم هو صنع ضديد الهيدروجين   أبسط مضاد ذرة ممكن مجرد ضديد بروتون و بوزيترون مرتبطين معاً - بكمية كافية لفترة طويلة، ويكفي لمقارنة طيف الضوء المنبعث منه مع المنبعث من الهيدروجين العادي، حتى أدنى درجات الفرق بين الاثنين من شأنه أن يهز النموذج المعياري.  التجارب تتطلب شبه فراغ كامل، فمجرد مواجهة ذرة من الهواء يعني نهاية لأي جسيم ضديد، ويجب أن تكون هناك طريقة ما لمحاصرة الأضداد: ليس في وعاء تقليدي، ولكن باستخدام المجالات الكهربائية والمغناطيسية.
 قامت ALPHA بنجاح في عزل ضديد  الهيدروجين عام 2002 ،وذلك بالجمع بين البروتونات المضادة من معجل للجسيمات و بوزيترونات من مصدر الصوديوم المشع في فخ مغناطيسي، لكن للأسف هذا النجاح هو عابر: الفخاخ المغناطيسية تعمل على ما يرام على الجسيمات المشحونة مثل: البروتون المضاد و البوزيترونات ولكن ضديد الهيدروجين محايدة(بدون شحنة) ، بحيث يمكن أن تفلت من خلال الخطوط التي يحتويها كل حقل.  إن مشكلة ALPHA وATRAP لا زالت موجودة والتقاط ذرات ضديد الهيدروجين هي الحدود الحالية، و إنها تشكل تحدياً، حتى الآن لا أحد قد تمكن من فعل ذلك، لكن ربما في المستقبل.

  3.  هل تعمل الجاذبية على المادة المضادة ؟ 

 نعتقد أن الجاذبية تعمل بنفس الطريقة على جميع المادة.  ولكن ماذا عن المادة المضادة؟  AEGIS هي  تجربة سيرن التي قد منحت الضوء الأخضر بالمضي قدماً بالتصميم لمعرفة ذلك. الجاذبية هي قوة ضعيفة نسبياً، ولذلك فإن التجربة سوف تستخدم الجسيمات غير المشحونة لمنع القوى الكهرومغناطيسية من اضعاف آثار الجاذبية.  سيكون أولاً بناء أزواج غير مستقرة إلى حد كبير من الالكترونات والبوزيترونات ، والمعروفة باسم بوزيترونيوم positronium ، ثم إثارتها بالليزر لمنعها أن تُباد بسرعة كبيرة جداً. غيوم من البروتون المضاد سوف تمزق هذه الأزواج إرباً ساحبة البوزيترونات لصنع ذرات ضديد الهيدروجين محايدة.
 نبضات من هذه الذرات المضادة تُقذف أفقياً من خلال شبكتين من الشقوق ستصنع نمطاً دقيقاً من التأثير والظل على شاشة الكاشف ومن خلال قياس مدى ذلك النمط كيف ينزاح، فالقوة - والاتجاه – لقوى الجاذبية على المادة المضادة يمكن قياسها. إذا نجح الباحثون، سيكون أمراً يستحق كل هذا الجهد. إذا الجاذبية تؤثر على المادة المضادة بشكل مختلف  فالتجربة سوف لن تخبر عن المادة المضادة فقط، ولكن أيضاً عن الأسس التي تعتمد عليها نظريات الفيزياء الحديثة.  نظرية النسبية العامة لأينشتاين هي المفضلة حالياً كنظرية الجاذبية تخبرنا أن هذه القوة يجب أن تعمل بشكل متطابق على اي نوع من هذه المادة، بنفس القدر لكن إذا وجدنا أن أياً من هذه الأمور تختلف، فقد وجدنا شيئاً في غاية الأهمية. 

 4.  هل يمكننا أن نصنع عالماً مضاداً ؟

..الفيزيائيون حتى هذه اللحظة يواجهون صعوبة كافية في ترويض ضديد الهيدروجين،  وهي أبسط ضديد ذرة ممكنة، فهل يمكننا أن نتوقعهم يصنعون ضديد الهليوم، ومن ثم جزيئات عضوية ضديدة مصنوعة من ضديد الكربون وضديد كامل للجدول الدوري، أيضاً؟  المشكلة هنا هي أن كل ذرة مضادة قد بنيت بجسيم دون ذري subatomic واحد في كل مرة على حدة.  على سبيل المثال، إذا كنت تريد أن تصنع ضديد الديتريوم  antideuterium - يشابه ضديد الهيدروجين ولكن مع إضافة ضديد نيترون - عليك أولاً أن تصنع ضديد النيترون، لكن النيترونات الضديدة محايدة (بدون شحنة) مما يجعل من المستحيل توجيهها بالطريقة التقليدية بالمجالات الكهرومغناطيسية، لذا عليك أن تصنع أعداداً كبيرة منها، وتأمل أن مقابل كل مليون نيترونات ضديدة تقريباً يصنعها واحد فقط ينتهي به المطاف لصناعة ذرة ضديد الديتريوم.   بينما لا أحد حل تلك المشكلة حتى الآن، فتجربة  في سيرن تستعمل طريقة مختصرة بسيطة على الاقل تقدم شيء ما عدا ضديد الهيدروجين. تجربة ASACUSA صنعت ذرات من “الهيليوم ضديد البروتوني antiprotonic helium “  فيه احد الإلكترونات التي تدور حول نواة الهليوم استعيض بها بـ ضديد البروتون. من خلال دراسة طيف الضوء المنبعث من هذه المادة المركبة من ذرة المادة وضديد مادة فان الخصائص الكهربائية والمغناطيسية لضديد البروتون يمكن قياسها بدقة كبيرة - بالمقارنة مع تلك التي من البروتون العادي.  كما لدينا فرص لتقديم أي شيء أكثر تعقيدا لكن الامر لا يبعث على التفاؤل لانه ربما سيستغرق بليون من السنوات  تزيد أو تنقص ؟!
وكم سيدوم الجنس البشري؟!
يبدو أن لدينا أفضل رهان للحصول على عناصر غريبة في الجدول الدوري المضاد، هو أن ننظر الى السماء، ونأمل أن يتم في مكان ما من نجوم مضادة antistars  مشغولة بإنتاجها بكمية وفيرة وسريعة لأجلنا.

 5.  هل يمكن استخدام المادة المضادة لصناعة قنبلة عظمى؟
.. فكرة أن الإنسانية يوم ما قد تسخر القوة التدميرية للمادة المضادة لأغراض تدميرية لديها سحر مروع!
استرخ ولا تخف. هناك سبب وجيه جداً بأن شيئاً من هذا القبيل سوف لن يحدث في أي وقت قريب.  فأنت إذا قمت بجمع كل المادة المضادة التي صُنعت لأكثر من 30 عاماً في المختبرات- وإذا كانت سخية جدا - قد تحصل على عشرة أجزاء من البليون من الجرام، وهي حتى إذا انفجرت على طرف صبعك  لن تكون أكثر خطورة من إضاءة عود ثقاب؟! والمرضى الذين يخضعون لعمليات التفحص بذرات مشعة طبيعية في دمائهم تنبعث منها عشرات الملايين، إن لم يكن أكثر، من البيزترونات بدون أي تأثير سيئ.  حتى لو تمكن علماء الفيزياء من صنع مادة مضادة ما يكفي لصنع قنبلة فعالة، ستكون التكلفة فلكية.  فغرام يمكن أن يكلف مليون بليون دولار، وهذا سيستغرق منا 10 بلايين سنة لتجميع ما يكفي من المادة المضادة لصنع مثل تلك القنبلة؟!!!
ملاحظات المترجم:-

نشر المقال في موقع  ناسا مايو 2000م 
              * http://science.nasa.gov
 ** http://www.newscientist.com    نشر المقال في موقع  نيوسانتست ابريل 2009م         
1/ النانو ثانية : جزء من مليار من الثانية
2/ النموذج القياسي: النظرية الجديدة الرابطة بين النسبية وميكانيكا الكم
3/ الميزونات والكاون: الميزونات جسيمات تحت ذرية وهي غير مستقرة، وفي أقل من جزء من الثانية بعد تكوينها مباشرة، تبدأ في الانحلال (التفكك) إلى جسيمات أخف. وقد تحمل الميزونات شحنات سالبة أو موجبة أو تكون متعادلة...
وهناك عدة أنواع من الميز % من البروتون. أمّا أثقل الميزونات فيُدْعى جسيم الأبسيلون، ويبلغ وزنه عشرة أمثال وزن البروتون. وتشمل الميزونات الأخرى ميزونات كـ التي تسمى أيضاً الكاونات و جسيمات إبساي وتعرف أيضاً باسم جسيمات جيه.

ملاحظة :

نشر هذا المقال في صحيفة الجمهورية (اليمنية) بتاريخ 2مارس2011م 

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
Modeيقول...

الله يعطيك العافيه شرح وافي

design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015