»نشرت فى : الأحد، 21 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

حديث الجواري

..قال الله تعالى في سورة الشورى" وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الشورى : 32]  وقال في سورة الرحمن " وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ [الرحمن : 24] والسؤال لماذا زيدت لفظة ( المنشآت) في سورة الرحمن على الشورى؟!!
اولا دعونا نرى سياق الايات في كلا السورتين يقول الله في  الشورى " وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ [الشورى :32- 34] بينما الاشارة في سورة الرحمن لتلك الاية فقط  فقال تعالى " وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن : 24-25] ثم عدل الى موضوع اخر وترد عدة نقاط :-
1.      سورة الرحمن قائمة على ذكر النعم المبسوطة للانسان سواء في الدنيا والاخرة واقرأ معي :-
·         عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن : 2]
·         وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ [الرحمن :10- 11]
·         وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن : 46]
·         فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن : 50]
الى غيرها من النعم الدنيوية والاخروية بينما سورة الشورى لم يرد فيها هذا البسط للنعم يقول صاحب معترك الاقران " ولم يرد في سورة الشورى من اولها الى اخرها حال دنيوي لأحد بل تضمنت حقارة الدنيا ونزارة رزقها وانه مقدور غير مبسوط  وتلك حال الاكثر "(1)
علاوة على ان سورة الشورى نعم مشروطة غير مبسوطة واقرأ معي قوله تعالى " وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ [الشورى : 27] لم ترد مثلها في القران فقد ذُكرت الاية على وجه العرض والشرط ناسبها حرف المنع (لو) بينما في باقي القران جاءت على وجه الاخبار قالى تعالى:-
·         اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ [الرعد : 26]
·         إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً [الإسراء : 30]
·         وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص : 82]
·         اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [العنكبوت : 62]
·         قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [سبأ : 36]  وغيرها...

2.      لم يرد ذكر الجنة بالتفصيل في سورة الشورى الا في موضع واحد قالى تعالى " تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ [الشورى : 22] وهي على قلتها جزء من اية بينما الوضع يختلف في سورة الرحمن كان ذكر خير الاخرة كثيرا وتفصيليا فسورة الشورى موضع ايجاز نعم وسورة الرحمن موضع بسط نعم

3.      " سورة الشورى عموما هي في مستكرهات الامور أي فيما يشاؤه الله لا ما يشاؤه الانسان " (2) وتلاحظ هذا في قوله تعالى " لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى :49- 50] لم ترد مثلها في تفصيل الزوجية وتلاحظ كلها ما يكره  الانسان في عدة فقرات :-
                          أ‌-    تقديم الاناث على الذكور في قوله " يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ"
                        ب‌-  ذكر العقم في قوله " وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيماً" لامثيل لها في القران كله

4.      سورة الرحمن تعداد نعم وافق تكرار جملة " فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" احدى وثلاثين مرة في خطاب كلا الثقلين من الانس والجن بأجمل عبارات فقال ( الآء ) وهي افخم من (نعم) لانها لا مفرد لها ما يدل على تعددها وقال ( ربكما) وهي هنا عطاء الربوبية العام للمؤمن والكافر على السواء
5.      نأتي لآيات البحار المناطة بالسؤال نلاحظ هذ المقارنة بين السورتين
    في سورة الشورى                                       
·         ومن آياته                                                      
·         الجوار في البحر كالاعلام   
·         إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ       
             بينما ما يقابل النقاط السابقة  في  سورة الرحمن
·                                                                             وله
·         الجوار المنشآت في البحر كالاعلام ( بزيادة المنشآت)
·                                                                             ( لم يرد أي شيء وانتقل الى موضع أخر)
فقال في سورة الشورى ( ومن آياته ) ومن هنا تبعيض أي بعض آياته بينما في الرحمن خصها له بقوله (وله) وهذا مقام تعظيم يناسب مقام بسط النعم " فالاخبار عن الجواري انها له للتنبيه على انشاء البحر للسفن لا يخرجها عن ملك الله "(3) وكذلك " الاشارة الى كونهم منشئيها لا يخرجها من ملكه عز وجل كأن تمام منفعتها انما هو منه عز وجل "(4) لأن " المنشآت بفتح الشين اسم مفعول أي أنشأها الله أو الناس أو المرفوعات الشراع وقال مجاهد :- ماله شراع من المنشآت وما لم يرفع له شراع فليس من المنشأت .. وبكسر الشين ينشئن الامواج بجريهن أو التي تنشئ السفر إقبالا وادبارا"(5)
6.      في سورة الرحمن انتهى الحديث عن السفن والإنعام وانتقل الحديث الى امور اخرى اما في سورة الشورى لم يكن الحديث توسعا في الإنعام بل على العكس في نواقض هذه النعم وقدرته سبحانه على قبض هذه النعم او افسادها على البشر فقال تعالى " إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" ثم اردف " أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ"
ونلاحظ في ذلك ما يلي :-
                      أ‌-          اسلوب الشرط في قوله تعالى " إن يشأ يسكن الريح " والعطف على هذا الاسلوب في قوله سبحانه " أَوْ يُوبِقْهُنَّ " وكلا اللفظين يدلان على مشروطية هذه الافعال وتعلقها بقدرته وهذا خلاف بسط النعم دون شرط كما في سورة الرحمن.
                     ب‌-        ذكر الفظ الفساد  في هذه الايات يسكن الريح/ يظللن رواكد / يوبقهن .. وهذا خلاف بسط النعم
                     ت‌-        ذكر صفات الذين يرون هذه الايات صفات مبالغة وليس صفات عادية فقال سبحانه " إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" فالصبار والشكور مبالغ من صابر وشاكر وهذا لا يتأتى لأغلب الناس.
                     ث‌-        امتنان المولى عز وجل في اخر الايات على الناس بقوله " وَيَعْفُ عَن كَثِيرٍ" دلالة على ان نعمه سبحانه تفضل وكرم منه وليس جزاء لاعمالنا بل لوكانت جزاء لاعمالنا لهلكنا عدلا تما كما تقول الاية " أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا" ..
هذا كله يصب في موضع عدم التوسع في ذكر النعم في سورة الشورى فكانت لفظة المنشآت موجودة في سورة الرحن خلافا لسورة الشورى لما تقدم من التعليل والله اعلم ...
الهوامش
1)     معترك الاقران للسيوطي ج3/422
2)     برنامج لمسات بيانية للدكتور /فاضل السامرائي قناة الشارقة
3)     التحرير والتوير لابن عاشور ج14/290 ( حسب قرص الموسوعة الشاملة الإصدار الثاني )
4)     روح المعاني للالوسي ج27/107 ( حسب قرص الموسوعة الشاملة الإصدار الثاني )
5)   البحر المحيط أبو حيان ( حسب قرص الموسوعة الشاملة الإصدار الثاني )

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015