»نشرت فى : الأربعاء، 17 يناير 2024»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ظلال البردوني المزيف

 - ظلال البردّوني المزيف!                                                             

                                                                               عبدالحفيظ العمري


رحل الشاعر الكبير عبد الله البردّوني عام 1999م تاركا وراءه اثني عشر ديوانا شعريا وثمانية كتب فكرية؛ هذا ما أخرجته المطابع إلينا من تراث هذا الشاعر الكبير.

لكن البردّوني ترك عدة دواوين وكتبا لم ترَ النور بعد، ولا نعرف منها إلا أسماءها؛ منها دواوين (رحلة ابن من شاب قرناها) و(العشق على مرافئ القمر) و(أحذية السلاطين)، ورواية (العم ميمون)، وكتاب (الجمهورية اليمنية) الذي يعد امتدادا لكتابه الشهير (اليمن الجمهوري)، وكذلك دراسته (الجديد والمتجدد في النقد الأدبي) وغيرها.

هذا الضياع لهذه المخطوطات – خصوصا الشعر- فتح الباب لقصائد نُسبت إليه على أنها تنبؤات البردّوني في ذلك الزمان، خصوصا أن البردّوني لديه عدة قصائد كان قد استشرف أحداثا حدثت بعد كتابة تلك القصائد.

والملاحظ في هذه القصائد تناولها للأحداث السياسية الجارية مما يجعلها مقبولة لدى جمهور المتلقين، زاد في ذلك حركة النشر السريعة في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة دون تمحيص ولا مراجعة لتلك النصوص.



ثلاث قصائد

هنا أسجل ثلاث قصائد تداولها مواقع التواصل الاجتماعي على أنها للشاعر البردّوني؛ 

قصيدة عمران 

أثناء أحداث عمران في يوليو عام 2014م انتشرت قصيدة على أنها للبردّوني تسجل تلك الأحداث حتى دخول الحوثيين صنعاء، تقول أبياتها:

إذا ارتدت صعدةُ عمران ممسية

غدا ستدخل صنعا مطلع الفجرِ

وسوف تخرج من سنحان زوبعة

هوجاء عمياء لكن من بها يدري

ومن سيلقي خطابا؟ قيل أصغرهم

من قافه قابل للرفعِ والكسرِ

قال ابن نخلة هذا ثم وشوشني

متى سيحكم هاديكم من القصرِ؟

يقال جاء وفي كفيه معجزة

ستسمعون بها في ليلة القدرِ

من بعد أن ترتدي صنعاء أسفلها

ويسحب الملأ الأعلى من القبرِ

ثم احتمال بأن تصفو السماء له

إذا توضأ في نهرين من جمرِ

وصاح في الناس أنتم خافقي ويدي

والمجد للشعب لا للبيض والحمرِ


لكن بعد فترة أتضح أن القصيدة للشاعر اليمني الشاب زين العابدين الضبيبي واتت كحلم، قال إنه قالها له البردّوني في الحلم، فنسجها على هذا المنوال من بنات أفكاره.

وصحح ذلك موقع شبوة في تاريخ 11 يوليو 2014م بعنوان (تصحيح للقصيدة (عمران) المشورة والمنسوبة لشاعر اليمن الكبير البردّوني).


قصيدة القاعة الكبرى 

عندما حدثت مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء بتاريخ 8-10-2016م انتشرت هذه القصيدة على أنها للبردّوني، تقول أبياتها:

أصومُ والعذرَ يا صنعا إذا صُمتُ

لا ينطق اليومَ يا صنعا سوى الصَمتُ

صنعاءُ والحزن أعتى والجراح هُنا

تُسائِل الدهرَ ماذا سَجَّل السبتُ

والطائراتُ السعودياتُ إذ هجمَت

على عزاءٍ ولا شجبٌ ولا مَقتُ

وبالمئاتِ استباحَتنا بمجزرةٍ

تُعَمِّقُ الموتَ حتى استاءَها الموتُ

فلا المغولُ اليهودُ البربرُ ارتكبوا

مثيلَها الدهرَ.. فاللهم بَلَّغتُ

سعود تطغى سعود اليوم تقتلنا

بعائدِ الحَجِّ فاشهد ايها البيتُ

ومن سوى اللهُ فيما بيننا حَكَمٌ

وعندَ مَن غيرَهُ يُستعجَلُ الفَوت

وأتضح لاحقا أن القصيدة لشاعر إب الجميل الصديق عبد القادر البنا، لكن هناك منْ نسبها للبردّوني، وتداولتها وسائل التواصل الاجتماعي ومن ثم أغلب المواقع الإلكترونية التي علقت:

"كتب الشاعر البردّوني قصيدة تنبأ فيها عن جريمة القاعة الكبرى التي حصلت في صنعاء 8-10-2016م كأنه رأى هذا المشهد من قبل ُرحمة الله تغشاه"

والقصيدة لا تمت لأسلوب البردّوني في الصياغة، بل وفيها الخطأ نحوي (سوى الصمتُ)! 

فالاسم بعد (سوى) يأتي مجرورا وليس مرفوعا؟!

وقد عدله الشاعر البنا لاحقا إلى:   

أصومُ والعذرَ يا صنعا إذا صُمتُ

لا ينطق اليومَ إلا الكبتُ والصَمتُ


والغريب أن المواقع الإلكترونية تداولت البيت الأول على خطئه!


قصيدة الرواتب 

انتشرت الفترة الأخيرة قصيدة نُسبت للأستاذ عبد الله البردّوني، وبتصفح القصيدة نجد فيها زحافات وزن وأخطاء وبعد عن صيغة البردّوني في الشعر

القصيدة تقول أبياتها:

سوف يأتي زمانكم بالعجـائب

وتربِّي فيـه النـــساءُ مــخالب

وستــغدوا فيه اللحى جاذباتٌ

للعدا والردى وكلُ النـــوائب

وستنفث المنابر فيه سُمّــــاً

وستخرُج من المساجد مصائب

وسيولد من الحواري انتحاري

ومن اللـص سوف يولدُ تائب

وسيسطوا على الحــضارة غِرٌ

بدويٌ عـبدٌ رهيــــنُ الأجانب

وسيلحق بائعُ التُربِ عــــاراً

وشناراً بذبح تــــاريخ مأرب

وستـــغـــدو الــلاذقـية دارا

تسكنها الأشباح في كل جانب

وستزحف للإنقضاض علينــا

جذوة الشر بنداء العقــــارب

سنعاني ليس لذنب سوى

أن بيتنا ركنــهُ ببـــاب المنادب

لعنةٌ من هـــنالك تــــؤذي أهلـنـا

وصحبنــــا والإقــارب

وسنخــسرُ ردفان حولين حتى

تفهم الدرسُ فيه تلك الثـعالب

وسيحضن عيـــبان نجران لمـا

يُقطعُ الرأس في رياض الأعارب

ستعود الحياة بالـــخير يومــــا ً

مشرقاً دافقاً بسيل الــــرواتب 

***

لاحظوا:

1- تسكين أفعال (ستخرُج) و(سيولد) (سيلحق) و(ستزحف) و(سنخــسر) و(سيحضن)

حتى ولو كُتبت الضمة فالتسكين واجب للوزن، وهذا لا يفعله شاعر بحجم البردّوني!

وكذلك نحتاج تسكين (المساجد) لضرورة الوزن!

2- الشطر (ومن اللـص سوف يولدُ تائب) تجد زحافات في الشطر

ومثله (جذوة الشر بنداء العقــــارب)، ونجد أن (وستنفث المنابر فيه سُمّــــاً) كان الأولى (وستنفث فيه المنابر سُمّــــاً) لضرورة الوزن!

3- حاول الناظم أن يجعل القصيدة تسجل الأحداث الحالية فقال (سوى أن بيتنا ركنــهُ ببـــاب المنادب) مع أنه باب المندب وليس باب المنادب، وهذا بعيد عن صيغة البردّوني الذي يحافظ على اسم المكان تماما، وحاول دغدغة المشاعر بعبارة (سيل الرواتب) التي لا دخل لها بموضوع القصيدة اللهم مجاراة للواقع!

4- قوله (وستــغدوا فيه اللحى جاذباتٌ) الأصح (جاذباتٍ)!

وكذلك (للعدا والردى وكلُ النـــوائب) الأصح (كلَّ)

وكذلك (تفهم الدرسُ فيه تلك الثـعالب) الأصح (الدرسَ)!

هل هذا البردّوني (الجديد) لا يفهم النحو؟!

5- أما أخطاء الإملاء، فعجيب هذا البردّوني (الجديد) الذي يكتب (وسيسطوا)!


هذا ما حبيت توضيحه في هذه العجالة.

رحم الله شاعر اليمن الكبير عبد الله البردّوني.


***

نُشر هذا المقال في موقع العربي https://www.al-arabi.com/ بتاريخ 18/2/2017م

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015