»نشرت فى : الاثنين، 11 يناير 2021»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

نبيل فاروق: معلّم جيل بأكمله

 عن نبيل فاروق معلّم جيل بأكمله 

الجمعة11ديسمبر 2020م

عبدالحفيظ العمري





















الكتابة عن د. نبيل فاروق - رحمه الله - مثل الخوض في غابة مليئة بالأشجار من كل نوع، فلا تدري من أين تبدأ ولا أين تنتهي!

فالرجل كان موسوعة متحركة، وكَتَبَ سلاسل كثيرة من المغامرات والأكشن (رجل المستحيل) إلى الرقة والرومانسية زهور) إلى التنوع (كوكتيل 2000) والخيال العلمي (ملف المستقبل) والاجتماعية (رواية أرزاق) والترجمة (سلسلة روايات عالمية للجيب) وحتى الألغاز (ع × 2) وغيرها مما لم نعد نتابعها!

لكن الرابط في كل هذا هو الأسلوب السهل الممتنع الذي أثّر على كتّاب كُثر حاولوا تقليده، لكنه ظل نسيج وحده.

اليوم (10 ديسمبر 2020م) غداة وفاته ماذا ظل منه؟ وماذا ظل منا؟

أما د. نبيل فاروق -رحمه الله- فقد أفضى لما قدّم ولاقى وجه العزيز الكريم بكل ما قدّمه من أعمال، لعلها صالحة – كما نظن- لأنها علّمت جيلا كاملا – وأنا واحد منه- أن يقرأ، والفضل كل الفضل - بعد الله تعالى - له وللمؤسسة العربية الحديثة وصاحبها الراحل حمدي مصطفى محتضِن كل هذا الإبداع والألق الذي صبغ جيلنا بأكمله!

البداية من رجل المستحيل
لقد أدخلنا الراحل في دهاليز الجاسوسية وأضاف إلى قواميس حياتنا مصطلحات ذلك العالم كأسماء أجهزة المخابرات العالمية (الموساد والكي جي بي وسي آي إيه) ومنظمات المافيا وغيرها مما يعج به ذلك العالم الخفي عنا عندما كنا في مقتبل العمر، ولا أظن إن أي شاب منا -آنذاك- كان سيسمع بهذا العالم أو يحتك به لولا كتابات د. نبيل فاروق - رحمه الله - وبالذات أدهم صبري تلك الشخصية الخرافية التي اخترعها لتكون نظيرا لجيمس بوند الغربي، مع الفارق بين أخلاق الرجلين!
لقد وضّح الراحل عن علاقته برجل المستحيل وحقيقة أدهم صبري في كتابين نُشرا خارج المؤسسة العربية الحديثة وهما (رجل المستحيل …أوراق لم تنشر) وكتاب (رجل المستحيل وأنا).
لن أخوض فيما ذُكر في الكتابين لأن هذا يحتاج مقال لوحده.

اليوم في هذا العمر – عمري 45 وأربعة أيام ساعة كتابة هذا المقال- أعيد قراءة رجل المستحيل أحس بحجم السذاجة في تلك المغامرات!
هل كبرتُ؟
أم أن العمل كان لمرحلة عمرية معينة، وقد تعديتها؟
أم أن تعبيرات الراحل كانت بسيطة تناسب تلك المرحلة العمرية؟
أظن ذلك
لأني ما أزال مشدودا بأعماله في (سلسلة زهور) أو الدراسات العلمية.

الخيال العلمي والرومانسية
أنا شخصيا أحمدُ للراحل إدخالي عالم الخيال العلمي من خلال سلسلته (ملف المستقبل) والتي ناقش فيها كل ثيمات الخيال العلمي تقريبا، بل لقد تعرفنا ضمن السلسلة على مصطلحات علمية لم نجدها في مراحل الجامعة وما بعد ذلك كالثقب الأسود والسفر عبر الزمن والهولوجرام وغيرها…

اسم آينشتاين نفسه طرق ذهني من خلال تلك السلسلة الرائعة وإبداعات الراحل فيها مع المخابرات العلمية الموجودة في أرض سرية من أرض مصر، وما زلت أذكر عبارة "سري جدا" التي كنت أبحث عن ما هو السري فيها؟

ورغم كتاباته عن الدماء والصراع والرصاص المتدفق بغزارة في سلسلة رجل المستحيل فإن لغة د. نبيل فاروق - رحمه الله - تستحيل إلى شاعرية عظيمة عندما يكتب في (سلسلة زهور) الرومانسية وهي تعالج لواعج الحب والهيام، تلك السلسلة التي لا يجد الأب والأم حرجا من وجودها بالمنزل- كما هو مدوّن في غلاف كل عدد!
وأي حرج في الحب؟!
جاء تبرير ذلك في مقدمة العدد 100 منها (أزمة منتصف الحب): "لأن هذه السلسلة تقدم الحب والرومانسية من مفهوم مدروس، ملتزم، ومحترم
تقدمهما بمفهوم واقعي جذاب، يدخل كل عقل، وكل بيت"
فكيف جمع الرجل بين العنف والجاسوسية والحب والرومانسية؟
هنا الإبداع.

التكرار والكوكتيل
في سلسلة (فارس الأندلس) تجد لوعة العربي الذي فقد أرضا كانت تتحدث العربية ذات يوم، يستحضرها د. نبيل فاروق - رحمه الله - من أدغال التاريخ الأندلسي مع (فارس) وحروبه ضد مملكة قشتاله، وإن كان البعض يجدها نسخة أخرى من رجل المستحيل لكن بصياغة تاريخية!

التكرار سمة لدى الرجل، وهذا لا يعيبه – فنجد أن (سلسلة العقرب سيف العدالة) التي كانت تعرض ضمن سلسلة (كوكتيل 2000) بشكل متفرق – نجدها تكرارا لرجل المستحيل أيضا، ولو بصورة أخف قليلا، فالعقرب (نديم فوزي) لم يكن وراءه جهاز مخابرات بقدر كونه مفصولا من جهاز الشرطة!

يجرنا الكلام إلى سلسلة (كوكتيل 2000) للراحل، تلك السلسلة المتنوعة العرض من قصص قصيرة وقصة العدد ودراسات وقصص مسلسلة وغيرها، هذه السلسلة هي أقرب سلسلة إلى قلب د. نبيل فارق كما صرّح في إحدى المقابلات، وأظنها كذلك لأنها تتويج لأعمال سابقة بدأها سواء في الخيال العلمي أو الأكشن أو الرومانسية، فجمعها كلها في سلة واحدة اسمها (كوكتيل 2000)، وهي اسم على مسمى، ونجده يعرفها بـ(أنها ثقافة الغد لشباب اليوم) كما هو مدوّن في مقدمة كل عدد!
ولأنه بدأ إصدارها في مرحلة متأخرة من صدور السلاسل القديمة كرجل المستحيل وملف المستقبل وزهور.
ونجد أن الراحل يفصح عن بعض ذكرياته الشخصية في أوراق هذه السلسلة مثل (مذكرات طبيب في الصعيد الجواني) وغيرها
ناهيك عن الدراسات العلمية التي صارت ضمن كتب مستقلة بعد ذلك مثل (خلف أسوار العقل) (ويأتي الغد) وغيرها.
من سلسلة كوكتيل خرجت روايته الطويلة (أرزاق) والتي – برأيي- لم تقدّم د. نبيل فاروق - رحمه الله – كما نعرفه، بل كاتبا عاديا ليس فيه ألق الجاسوسية والخيال العلمي.

أعمال أخرى
ظل د. نبيل فاروق - رحمه الله – قلما سيّالا في الكتابة ولو أن وهجه خفت في الفترة الأخيرة، فلقد اتجه للمقال السياسي والذكريات وغيرها، وكذلك قدّم للتلفزيون عام 2005م مسلسل (العميل 1001) عن عمرو طلبه – الجاسوس المصري- الذي حكى قصته بشكل مقتضب في إحدى أعداد (سلسلة كوكتيل 2000)، لكن للإنصاف لم أجد العمل التلفزيوني بقدر القصص المكتوبة، يبدو أن أدب د. نبيل فارق- رحمه الله – للقراءة أكثر منه للمشاهدة!
إن عملا مثل (رأفت الهجان) للراحل صالح مرسي أكثر ضخامة من (العميل 1001) بكثير.
وهذه تحتاج وقفة لوحدها.

لستُ هنا في مجال تقييم الأستاذ الذي علّمنا القراءة كلنا، بل ولستُ أهلا لذلك، إنما هي خواطر جالت في غداة رحيل استاذنا الكبير د. نبيل فاروق، فرحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا أحسن الجزاء على ما غرس في نفوسنا من مبادئ وقيم في قصصه وأعماله.

***

نشر المقال في، موقع المحطة يوم 16-12-202

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015