»نشرت فى : الأحد، 21 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

إختبار كون اينشتاين*

.. في مطلع القرن الماضي قدّم العالم الألماني ألبرت اينشتاين نظرية النسبية بفرعيها الخاصة (1905م) والعامة (1915م) والتي ناقشت موضوعات الزمان والمكان والطاقة والكتلة والجاذبية وغيرها..
حيث قدّمت النسبية العامة General Relativity تصورا مبتكرا لمفهوم الجاذبية يختلف عن تصور نيوتن ،فنيوتن يرى أن الجاذبية قوة مؤثرة لحظية بين الكتل وأن هذه الكتل لا أثر  لها على الزمان والمكان اللذين تتواجد فيهما في حين يرى اينشتاين  أن الزمان و المكان متشابكان في نسيج ذي أربعة أبعاد سُمي الزمكان space-time والكتل فيه تحني هذا النسيج كما لو أن شخصا ثقيلا جلس على منتصف ترامبولين
والجاذبية ما هي الا حركة الكتلة تبعا لخطوط  انحناء الزمكان ،فالكتلة تخبر الزمكان كيف ينحني و إنحناء الزمكان يخبر الكتلة كيف تتحرك..
لو كانت الأرض ثابتة لانتهى الأمر عند هذا التصور لكن أرضنا تدور ودورانها يلوي twist خطوط انحناء زمكانها بعض الشيء بما يعرف بتأثير سحب الإطار frame-dragging effect فيلوي هذه الخطوط كالدوامة وكأنما الزمكان سائل لزج..
بين الجاذبية والمغناطيسية
.. هذه الدوامة الناتجة من التواء الزمكان المحني تصنع مجال جذبي أطلق عليه الجذبومغناطيسية أو المغناطيسية الجذبية gravitomagnetism  يظهر بين الكواكب والنجوم عندما تدور وهو يشابه المجال الكهرومغناطيسي لشحنة كهربائية باستبدال الشحنة الكهربائية بالكتلة المجذوبة فتصبح المغناطيسية الكهربائية electromagnetism هي المجال الجذبي او الجذبومغناطيسية .
نحن لا نحس بهذا المجال الجذبي لكننا نعايشه كل يوم لأنه موجود فطبقا لنظرية النسبية العامة أي نجم او كوكب او ثقب اسود او أي شيء له كتلة تدور تسحب الزمكان المرافق لها صانعة هذا المجال الجذبي.
على الارض نواجه مجال جاذبية ضعيف يجعل من معادلات اينشتاين في النسبية العامة تتحول بشكل رائع الى معادلات جيمس ماكسويل في الكهرومغناطيسية ، لكن من الصعوبة  قياس هذا المجال الجذبي على الأرض نظرا لضآلته لذلك فكّر العلماء في قياسه في الفضاء فدوران جسم هائل كالأرض في الفضاء يشبه سلوك شحنة كهربائية متحركة في حقل مغناطيسي عند ماكسويل .

تأثيران مهمان
إن المجال الجذبي مرتبط ارتباطا وثيقا بتحرك الزمكان فإثبات تحرك هذا الأخير هو المدخل لقياس المجال الجذبي  لذلك في عام 1960م اقترح leonard Schiff – من جامعة استانفورد – أن تحرك الزمكان المحلي للأرض يمكن إدراكه باستخدام الجيروسكوبات gyroscopes  . فالجيرسكوب المتهادي مع مدار الأرض بقصوره الذاتي الطبيعي يبقى ثابتا في الزمكان لكن إذا تحرك الزمكان ( نتيجة المجال الجذبي) فالجيرسكوب  سيتحرك معه.
لكن هذا الجيروسكوب المفترض سيكون تحت تأثيرين :
الاول :يسمّى تأثير الجيوديسي Geodetic effect وهو كمية حني الأرض لزمكانها الذي توجد فيه ،وهو هنا سيشمل تقوس الزمكان إلى جانب مدار الجيرسكوبات فمتجة تدويم الجيروسكوب يكوّن زاوية قائمة على مستوى حركته في زمكان مستوي لكن انحناء زمكان الأرض يؤثر على متجه تدويم الجيروسكوب وهذا الاختلاف بين الوضع العمودي والمنحني يمثل التأثير الجيوديسي.
* نشرت في الملحق العلمي لمجلة العربي الكويتية عدد اكتوبر 2009م
أما التأثير الثاني : تأثير سحب الإطار frame-dragging effect وهو كمية سحب الأرض لزمكانها المحلي حولها نتيجة لدورانها ويكون متعامدا مع التأثير الجيوديسي وهو السبب في وجود المجال الجذبي أو gravitomagnetism.


تجربة GP-B
إن الاقتراح الذي تقدم به Schiff كان النواة لتجربة البحث عن مجال الجاذبية والمسماة Gravity Probe-B وتختصر GP-B تبنتها كل من جامعة استانفورد وناسا وتم إطلاق جهاز التجربة إلى الفضاء على ظهر قمر صناعي في 20 ابريل عام 2004م  ، وقد تأخر تنفيذ لتجربة كل هذه الفترة للحصول على تقنيات فريدة مناسبة.
يتكون جهاز التجربة من أربعة جيروسكوبات بقطر 1.5 بوصة مصنوعة من الكوارتز المصهور ومكسوة بطبقة رقيقة من النيوبيوم niobium تدور عشرة ألف دورة في الدقيقة موضوعة داخل وعاء من الهليوم فائق السيولةsuper fluid  للمحافظة على درجة الحرارة ثابتة إلى جانب تلسكوب مجاور لوعاء الهليوم.
يستقر هذا الجهاز في مدار الأرض على ارتفاع 400 ميل فوق سطح الأرض .
تقوم آلية التجربة على:-
1/ التلسكوب ومحور تدويم الجيروسكوبات سيصطفون مشيرين إلى نجم بعيد (IM pegasi) كنقطة مرجعية ثابتة.
2/ طوال سنة في المدار التلسكوب سيبقى ثابتا على ذلك النجم البعيد في حيت تدويم الجيروسكوبات في فراغ القمر الصناعي سيتحسس أي تغير في الزمكان المحلي للأرض.
3/ وظيفة التلسكوب هو قياس أي تغير في محور تدويم الجيروسكوبات خلال فترة التجربة تحت التأثير الجيوديسي أو سحب الإطار.
4/ على حسابات Francis Everitt – رئيس فريق التجربة من جامعة استانفورد – على ارتفاع 400 ميل التأثير الجيوديسي يكون 6.6 ملي ثانية قوسية arcseconds لكل سنة أما تأثير سحب الإطار سيكون 39 ملي ثانية قوسية لكل سنة احتاج هذا دقة لقياس التجربة تصل إلى .0005 ثانية قوسية لكل سنة وتماثل قياس سمك ورقة من على بعد 100 ميل؟!! إذا علمت أن الثانية القوسية الواحدة لكل سنة تساوي واحد على 3600جزء من الدرجة لكل سنة !!!.

جدول زمني للتجربة
§        20 ابريل 2004 م  انطلاق القمر الصناعي حاملا جهاز التجربة من قاعدة Vandenberg الجوية.
§        27 أغسطس 2004م  دخول GP-B مرحلة التجربة (جمع البيانات لمدة 50اسبوع).
§        15 أغسطس 2005 م   انتهت مرحلة جمع المعلومات والانتقال إلى التحديد النهائي.
§        26 سبتمبر 2005 م  مرحلة التحديد بالهليوم المسال انتهت والانتظار لانتهاء الهليوم.
§        أكتوبر 2005 م  بدأت ثلاث مراحل لتحليل البيانات ( على الأرض).
§        فبراير 2006 م   مرحلة تحليل البيانات انتهت .
§        سبتمبر 2006 م  إدراك خطأ في التحليل خصوصا حركة البوصلة الجيروسكوبية .
§        ديسمبر 2006 م  إكمال المرحلة الثالثة من تحليل البيانات ( بعد تصحيح الخطأ).
§        14 ابريل 2007 م   الإعلان عن أفضل النتائج حيث صرّح Francis Everitt " بيانات GP-B تؤكد بوضوح أن نبوءات اينشتاين حول تأثير الجيوديسي ذات دقة 1% وأن تأثير سحب الإطار أصغر 170 مرة من تأثير الجيوديسي وما زال علماء ستانفورد يحللون البيانات"
§        من المتوقع أن يستمر تحليل البيانات حتى تعلن النتائج النهائية في أغسطس 2010 م .
ماذا بعد!!!
.. إذا تم اكتشاف المجال الجذبي ( وهذا المتوقع) فاينشتاين كان محقا من جديد  ، وإذا لم يجدوا ذلك ؟ سيكون عيب في نظرية اينشتاين وسيبشر بثورة جديدة في الفيزياء؟!!!
لكن ماذا نعمل مع المجال الجذبي أو gravitomagnetism إن وجدناه؟
نفس السؤال طـُرح عدة مرات في القرن التاسع عشر عندما ماكسويل و فارادي والآخرون اكتشفوا الكهرومغناطيسية أي استعمال يمكن أن يكون؟
اليوم نحن محاطون  بمنافع بحثهم المصابيح..الحاسبات.. الأدوات الكهربائية المنزلية  والقائمة تطول ...
هل سيكون مجال الجذب ذا فائدة؟
أم هو معلم آخر على طريق مسعانا لفهم الحياة ؟!! المستقبل سيخبرنا بذلك !!!
***
* نشرت في الملحق العلمي لمجلة العربي العدد 611

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015