»نشرت فى : السبت، 28 مايو 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

القرآن.. بين الحفظ والفهم

...كثيرة هي المدارس والمؤسسات التي تقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتنتشر في أرجاء العالم الإسلامي قاطبة،
وكلنا يحترم الجهد الذي تقوم به هذه المدارس في تحفيظ المسلمين كتاب الله وجعلهم يتقنون التجويد لإخراج الألفاظ المحفوظة بنطق سليم من كل لحن أو تكسير إلا منْ غلبت عليه عجمته من غير العرب المسلمين وهؤلاء لهم عذرهم..
لكني أتساءل:هل الحفظ لوحده هو الهدف المجرد الذي يجب علينا تجاه الذكر الحكيم؟
بالطبع لا ، فليس المطلوب إخراج (حفاظ) لا يدركون من القرآن إلا رسمه الذي طبعوه في أذهانهم دون أدنى علم بمدلول ألفاظ ومفردات الآيات الكريمة..
كان الإمام محمد عبده- مفتي الديار المصرية المتوفى عام 1905م- يقول عندما يقال له فلان حفظ القرآن :- لقد زادت نسخة من نسخ المصحف؟!
هذا ليس استهزاءً بالحفظ ولا بالقرآن لكن هو لوم لمنْ حصروا الأمر على الحفظ المجرد الفارغ من أي فهم..
فلوا راجعنا سيرة الرعيل الأول سنجدهم لم يكونوا يتجاوزون خمس آيات إلى غيرها حتى يدركوا الآيات الأولى ويفهمونها ويتمثلون بأوامرها وينتهون عن نواهيها ، وكذلك لو رجعنا إلى القرآن نفسه لوجدنا أغلب الآيات تنص على (التدبر) وليس الحفظ فقط واقرأ معي :-
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء : 82]
{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص : 29]
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24]... وغيرها من الآيات ، وانظر كيف ربط القرآن التدبر بالقلوب – وهي تعني هنا العقول- إلى جانب ان الغاية هي التدبر وهي الوقوف على الآيات فهما وتمحيصا وتفسيرا وتأويلا لا مجرد حفظ مجرد..
كم منْ حفظة الكتاب العزيز لا يدركون معنى الآيات ولا أسباب النزول ولا غيرها من أمور ، وقد أحسن اوائلنا إذ ربطوا بين القرآن وبين الأدوات التي تفصح وتجلّي عن مكنونه فسموها (علومه) وأصبحنا نقرنها بالقرآن فنقول القرآن وعلومه، فلا فصل بين القرآن وتلك العلوم التي تدور حوله من تفسير وتأويل وأسباب نزول وناسخ ومنسوخ وتجويد وغيرها..
 لذا أدعو مؤسسات ومدارس تحفيظ القرآن أن يقرنوا بعملية التحفيظ عملية تعليم معاني ألفاظ الذكر الحكيم واقترح كتاب ( مفردات غريب القرآن) للراغب الأصفهاني المتوفى عام 505 هـ ، والكتاب معجم شمل المفردات القرآنية بشرح يسير وبسيط لقارئه ثم يتطور الأمر إلى إلحاق تحفيظ القرآن بأحد التفاسير الميسرة وليكن – بادىء الأمر- تفسير الجلالين للإمام السيوطي – رحمه الله- ثم يتدرج الأمر إلى التفسير الميسر للشيخ الدكتور/ عايض القرني ومن ثم في مرحلة لاحقة لابن كثير ..وهكذا..
ما أجمل أن نجد حافظا مدركا لمدلولات ومعاني ما يحفظه من آيات عالما بأسباب نزول الآيات – و آيات أسباب النزول هي على العموم قليلة لا تزيد عن 14 % من مجمل آيات القرآن البالغ عددها 6236 آية – فلا يكون هذا الحافظ مجرد ذاكرة نصية مصمتة!
أليس الأجدى أن نحوّل وظيفة تلك المؤسسات والمدارس من تخريج (حفظة) للقرآن الكريم إلى مؤسسات ومدارس تخرّج (متدبرين) ، ولو على حساب حجم الأجزاء المحفوظة من القرآن الكريم نفسه ؟! فإخراج (متدبرين) لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم هو خير وأعظم نفعا من (حفظة) لثلاثين جزءاً .
لتكن هذه الدراسة على مستويات يتنقل خلالها الطالب من علم لآخر يخدم عملية (تدبره) للقرآن الكريم مع استمرار الحفظ ويكون ذلك من خلال منهج قويم يتجاوز طريقة (المعلامة) القديمة إلى (أكاديمية) تستخدم كل أدوات العصر الحديثة لخدمة القرآن الكريم وعلومه...
وختاما دعوني أسأل: ألا يستحق القرآن الكريم منا هذا الجهد؟!
أترك الجواب لكم....

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015