»نشرت فى : الأحد، 29 مايو 2016»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

أدب الخيال العلمي: تعريفه وسماته



عندما نتحدث عن قصص الخيال العلمي Science fiction، فنحن سنستحضرُ الكثيرَ من القصص الخياليةِ التي قرأناها في مرحلة المراهقة ، ولعل (سلاسل روايات مصرية للجيب ) كانت أول منفذ ولجنا من خلاله إلى هذا النوع من القصص قراءةً ، ثم بعد ذلك كانت أفلام هوليود حول الفضاء والأطباق الطائرة وخلافه هي الرافد الذي نقل تلك العوالم من فضاء القراءة إلى فضاء المشاهدة.

  لقد بدأ أدب الخيال العلمي ينتشر في بيئتنا العربية في ظل الثورة التكنولوجية الهائلة التي حدثت في الآونة الأخيرة ..فما هو أدب الخيال العلمي ؟ وهل يدخل ضمن مسمى الأدب ؟


    نوع خاص
  هناك تعريفات عديدة لهذا النوع من الأدب ، يسرد أغلبها الكاتب د/ أحمد خالد توفيق - وهو أحد كتّاب أدب الخيال العلمي - في بحث له حيث يقول " هناك تعريفات عديدة للخيال العلمي نذكر القارئ بها:

  - الخيال العلمي هو خيال ممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبؤية، وبالذات هو ما يكتبه جول فيرن وهـ. ج. ويلز.
  - تخمين واقعي عن الأحداث المستقبلية المحتملة، تم تأسيسه على معرفة كافية بالعالم الخارجي والماضي والمستقبل، وفهم الطريقة العلمية.
الخيال العلمي هو مصالحة بين الأدب والعلم اللذين حسبهما الكثيرون متعارضين، يقوم أحدهما على الخيال، ويقوم الآخر على التجربة والاستقراء."

  لعل أهم ما يميز هذا النوع من الأدب أنه مرتبط بالعلم في كل جوانبه ، وهو بذلك يختلف عن أدب العجائب و الفانتازيا Fantasia الذي يحوم فيه صاحبه كما يشاء في فضاءات الخيال دون أن يتقيد بقاعدة! في حين يلتزم أدب الخيال العلمي بمعطيات العلوم الصحيحة، النظرية منها والتطبيقية.
   
  وهذا التقيد بالعلم والانطلاق من نظرياته تنفي قول منْ يرون بتجذّر هذا النوع من الأدب في فكرنا العربي من خلال استشهادهم بقصص ألف ليلة وليلة والسندباد البحري وغيرها - كما يرى الكاتب أشرف فقيه - وهو أحد كتّاب أدب الخيال العلمي - وذلك " لأن أصحاب هذا القول قد تشبثوا بصفة "الخيال" الأسطوري ونسوا صفة العلم تماماً ، وهنا تكمن الفكرة، لأن الظاهر أن القيمة العلمية هي الغائبة عن العقل العربي عموماً في تعاطيه مع الأدب وفي تجربته النهضوية والتنموية عموماً."

  وهناك من الكتّاب منْ لا يعترف بالخيال العلمي كصنف أدبي بل يبقيه ضمن العلم فقط ولا دخل له بالأدب ، ومن هؤلاء أديب نوبل الراحل نجيب محفوظ الذي دخل في جدل مع الكاتب المغربي أحمد عبدالسلام البقالي صاحب رواية (الطوفان الأزرق) حول قيمة هذا الأدب.

  والجميع معذورون لأن نمو مثل النوع من الأدب يكون ضمن بيئة علمية بحثية ، وهذا غير متوفر في عالمنا العربي ، فتكون النتيجة أن (يستورد) الكتّاب السمات الغربية التي يدور حولها أدب الخيال العلمي ، وهذه السمات صنعتها وأنتجتها المجتمعات العلمية التي لا ننتمي لها وبالتالي كان هذا النوع الأدبي مولودا هجينا وغريباً عن هذه الأرض ، فأصبح هذا النوع ليس له من الأمر إلا أنه كُتب بألفاظ عربية!
   هل هذا تفسير متشائم ؟
  
  يعلل الكاتب د/ أحمد خالد توفيق هذا التفسير المتشائم بقوله "لأن أدب الخيال العلمي قد وُلِدَ خاسراً في بيئة تستهلك العلم ولا تنتجه."


    سمات الخيال العلمي
  لو تتبعنا السمات Themes التي تدور حولها قصص الخيال العلمي سنراها تدخل في مجال "توسيع" الخيال لأمور علمية سواء كانت مجرد نظريات أو تجارب تُجرى ،أو حتى تخمينات لأمور مستقبلية. حيث يلعب علم الفيزياء دوراً مركزياً في إمداد كتّاب الخيال العلمي بأفكار لقصصهم ،فتأتي النظرية النسبية Theory of Relativity لأينشتاين في مقدمة هذه الإمدادات من خلال معضلة التوائم والسفر عبر الزمن سواء ً الرجوع للماضي أو الذهاب للمستقبل ، وكذلك اختراق الفضاء عبر الثقوب الدودية وغيرها، وهنا أشير إلى أن رواية "آلة الزمن" لهربرت جورج ويلز لا علاقة لها بالنظرية النسبية لأينشتاين ، حيث نُشرت الرواية عام 1895م أي قبل إعلان أينشتاين لنظريته بعشر سنوات كاملة ( أعلن اينشتاين عن نظريته النسبية الخاصة عام 1905م).

  وتأتي نظرية الكم Quantum Theory - النظرية التي تشكل مع النسبية أهم نظريات الفيزياء الحديثة - لتقدّم أفكاراً ثرية من عينة الانتقال الآني Teleportation والتواريخ البديلة All history والاكوان المتعددةMultiverses والعوالم المتناهية في الصغر. وتلعب تكنولوجيا الإنسان الآلي Robot دوراً بارزاً في قصص الخيال العلمي ، بل لقد تخصص أحد الكتّاب في هذا النوع من القصص وهو الكاتب الأمريكي الشهير اسحاق عظيموفIsaac Asimov .
  
  ولعلم البيولوجيا يدٌ طولَى في قصص الخيال العلمي خصوصاً مع التطورات التي لحقته من الاستنساخ إلى الخلايا الجذعية Stem Cells مروراً بالهندسة الوراثية ومشروع الجينوم البشري Human Genome Project ، وحاليا نحن في مشروع البروتيوم البشري  Project Human proteome.
  
  ومن هذه السمات، الغرباء الذين يأتون من الفضاء على متن أطباق طائرة - وإن كانت القصص التي تتعرض لهذا النوع دائماً سلبية ؛وذلك بتصوير رواد هذه الأطباق الطائرة حضارات عاقلة تريد غزو الأرض. وتمثل سمة اللعب على الأبعاد المكانية والزمانية ومحاولة الخروج منها واختراقها واحدة من أبرز هذه السمات التي يدول حولها أدب الخيال العلمي، من أمثال السفر عبر الزمن سواء للماضي عودة أو للمستقبل تقدماً ، أو محاولة معرفة نهاية العالَم ، وكذلك الغوص في أعماق الأرض أو البحار أو ضياع هذا البعد المكاني.

  ولا ننسى أن أدب الخيال العلمي حِفلَ بأفكار الإنسان المثالية كالفردوس المفقود والمدينة الفاضلة Utopiaلتوماس مور وغيرها. هذه السمات لا تكاد تنفصل عن العلم إلا قليلاً - ما ذهب منها للفانتازيا - مما يتوجب على كاتب الخيال العلمي أن يلم بأساسيات العلوم لكي يسطّر قصته ، حتى لا تكون ضرباً في الفنتازيا البعيد عن العلم.


   الخيال والمعرفة
  يعمل الخيال رافداً كبيراً للمعرفة بجوار معطيات الواقع التي لا يتقوقع الخيال عندها بل يطورها ويبني عليها ليكوّن واقعا جديداً ، لكن هذه الملَكة التخيلية تحتاج إلى تنمية ولن يكون ذلك إلا من خلال تهيئة بيئة حاضنة توجهها إلى المفيد والبعيد عن عوالم الخرافة والشعوذة التي تنغمس فيه مجتمعاتنا العربية للأسف.
  :: بالخيال نستطيع أن نرى المستقبل ، وبالعلم سنصنع ذلك المستقبل
    
  يقول العالم الكبير ألبرت أينشتاين: "الخيال أهم من المعرفة، بالخيال نستطيع رؤية المستقبل".

  ويقول عالمنا العربي الكبير د أحمد زويل : "الجميل في أمريكا وهو ما جعلها تتقدم على العالم علميا، أن الخيال لا يُقتل وليست له حدود وكل المؤسسات تشجعه، والعالم الحقيقي المحب لعلمه لابد أن يحلم، واذا لم يتخيّل العالم ويحلم سيفعل ما فعله السابقون ولن يضيف شيئا". وأخيراً يقول كاتب المستقبليات الأمريكي ألفن توفلر Alvin Toffler إن" قراءة الخيال العلمي أمر لازم للمستقبل".
  __________________

 المراجع :
 - د / أحمد خالد توفيق ، خيال علمي عربي.. هل هو خيال علمي؟ ، مجلة العربي العدد 624، نوفمبر 2010م
 - اشرف فقيه ، لم يبقَ إلا الخيال العلمي، صحيفة الوطن ، يوم 9-11-2010م
 - صفات سلامة، تدريس الخيال العلمي.. ضرورة مستقبلية وليس ترفا، الشرق الأوسط ، يوم 2- 6-2005م
 - د. خليل أبو قورة، فلنبدأ بالخيال العلمي.. لتنمية الإبداع والموهبة، الشرق الأوسط ، يوم 4- 7-2014م

  
ملاحظة :

نشرهذا المقال في موقع منظمة المجتمع العلمي العربي بتاريخ 12فبراير2015م

نشرهذا المقال  في صحيفة الجمهورية (اليمنية) بتاريخ 14 مارس 2014م

ونشر في مجلة ومضات الإلكترونية العددين 12و13 سبتمبر وأكتوبر2014م

        

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015