»نشرت فى : الخميس، 23 أبريل 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

رمضان في إب

إب واحدة من حواضر اليمن، وليست أي حاضرة فهذه المدينة القديمة والحافلة بآثار الدول المتعاقبة على اليمن خصوصا الصليحية والرسولية والطاهرية تحتفظ بتراث عريق ورثته من تراكم تلك العهود القديمة …
ولعل رمضان كشهر استثنائي غير كل شهور العام له "طقوس" خاصة في هذه المدينة، منها ما اندثر ومنها ما ظل باقياً له شواهده على الأرض …


استقبال رمضان
من الظواهر التي اندثرت - إلا قليلا - في هذه المدينة العريقة استقبال رمضان، حيث يحدثنا السيد يحي الغرباني- رحمه الله - وهو واحد من كبار السن في هذه المدينة - عن استقبال رمضان في الزمان الغابر - أو بتعبيره أيامنا:-  كنا نستقبل رمضان قبل دخوله بثلاثة أيام ، حيث نذهب إلى الجبل "لنستقبل " رمضان !
ويتم "تعميم " أحدنا- أي إلباسه عمامة- وهو يدخل المدينة وفي يد أصحابه ألواح وهم ينشدون "التراحيب" وهي أناشيد في استقبال رمضان ينشدها الجميع؛ حيث يرددون :-
مرحبا شهر رمضان …مرحبا شهر العبادة
مرحبا شهر رمضان …مرحبا شهر السعادة
مرحبا يا زائرا الآن…في المجالي والزيادة
والشياطين الملاعين …صُفدوا يا خير عادة
مرحبا أهلا وسهلا …بك يا شهر العبادة
والمساجد زينوها …للقراءة والعبادة
إنه الشهر المبارك …والخير فيه زيادة
يؤجر المرء كثيراً…لو قرأ فيه آية
وفي مواضع أخرى يرددون :-
رحبّوا يا صائمينا…شهر رب العالمينا
عاده الله علينا …وعليكم أجمعينا
هو رب الأولينا…هو رب الآخرينا
هو ربي هو حسبي …هو خير الرازقينا
هو غفار الخطايا…هو خير الراحمينا
رب أدخلنا جميعا…في العباد الصالحينا
ورضى عنا وعفا عنا …واجرنا أجمعينا
من عذاب في جهنم…اُرصدت للمجرمينا

وهذه التراحيب أو الأناشيد لا زالت تنشد في الجامع الكبير بإب من قبل كبار السن الذين لا زالوا يحفظونها، في حين الجيل الجديد لا يعلم عنها شيئا!

فوانيس رمضان
كلنا نعلم بأمر فانوس رمضان الذي يتداوله أطفال مصر العربية كعادة متوارثة منذ زمن الفاطميين الذي حكموا مصر 358هـ /969م حتى 567هـ، 1171م، وقد استقبل المصريون المعز لدين الله الفاطمي بالفوانيس لمّا انتقلت عاصمة الفاطميين من المهدية في تونس إلى القاهرة وكان ذلك في 5 رمضان عام 362هـ، 973م..
لكن وجود هذه العادة في إب، عجيب!
وقد أخبر بذلك المعمرون في إب أنهم كانوا يحملون الفوانيس في الليل تماما مثل مصر؟!
لكن العجب سيزول إذا علمنا أن الدولة الصليحية التي انتقلت عاصمتها إلى جبلة عام 458هـ/1066م كانت تدين بالولاء للدولة الفاطمية في مصر، فلماذا لا تنتقل هذه العادة إلى اليمن؟
على العموم حمل الفوانيس قد اندثر في إب …

في ليل رمضان
من الطقوس التي كانت في رمضان بإب "تحزيب" القرآن الكريم، والتحزيب أن يجلس جمع من الناس في حلقة داخل المسجد ويقرأ كل واحد منهم من مصحفه ثلاث آيات والبقي يستمعون ثم يقرأ التالي ثلاث آيات وهكذا دواليك حتى يكملوا "حزب " من القرآن - الحزب نصف جزء- يزيد ذلك أو ينقص حتى يكملوا المصحف كاملاً مع انتهاء الشهر الكريم …
ثم بعد ذلك ينصرفون إلى بيوتهم لمضغ القات ..
ولم تكن البيوت خالية من الذكر، بل كانت "الموالد " الصوفية تملأ بيوتات في إب يجتمع لها الناس في ليالي الشهر الكريم، ولعل عادة "الوُتْرِيّة" لا زالت حاضرة في تلك البيوتات إلى اليوم ..
ما هي الوُتْرِيّة؟
الوُتْرِيّة هي مجلس يذكر الناس سيرة النبي عليه الصلاة والسلام على شكل قصيدة طويلة - قد تكون البردة أو غيرها - وفي رابع كل بيت يصلون بصوت جماعي على النبي الكريم وآله الأطهار،،
ومن العادات التي اندثرت ما كان يقوم به الصبية المشاغبون مع كبار السن الذين يشربون الدخان في "قصبة" كبيرة تسمى المشرعة - شبيهه بالجوزة في مصر، وهي غليون طويل القصبة كان كبار السن يملأونه بالتبغ "الذي يسمى التتن" ويشعلونه …
فكان الصبية يقومون بتكسير تلك المشارع في حالة شرود ذهن المدخنون الذين يقومون بالسخط ومطاردة هؤلاء المشاغبين الصغار!
ومن الظواهر التي لا زالت في ليل إب في رمضان تعليق اللمبات الكهربائية والمصابيح الملونة على منائر الجوامع خلال هذا الشهر الكريم، بحيث تبدو تلك اللمبات كعقد مزخرف على عنق المنارة ومتصل بسطح الجامع …

وداع رمضان
كما كان استقبال رمضان بالتراحيب فوداعه يكون بأناشيد مماثلة منها ما هو تحريف بسيط للنشيد الأول حيث يصبح البيت الأول القائل:
مرحبا شهر رمضان …مرحبا شهر العبادة
مرحبا شهر رمضان …مرحبا شهر السعادة
هكذا:
مودَّع شهر رمضان … مودَّع شهر العبادة
مودَّع شهر رمضان … مودَّع شهر السعادة…الخ
أو يفردون نشيد للوداع يرددون فيه :
مودَّع .. مودَّع يا مضان…في داعة الله يا رمضان
شهر الكرامة والإحسان…شهر المودة والإيمان

***

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015