»نشرت فى : الجمعة، 15 أكتوبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

مشكلة ثقافة الشك بين افراد المجتمع

لا أحد يحب أن يشك الناس في نواياه، ولكننا مع ذلك، نحمل مجموعة من الأهداف والنوايا، بحنا بها أو كتمناها، ونقوم، في كثير من سلوكنا اليومي، بالتستر على هذه النوايا، بقصد أو بدون قصد، ومحصلة ذلك
 أن يتحول المجتمع، في مجمله، إلى عيون متشككة، وأفئدة تحمل من الحقد أضعاف ما تحمل من التسامح، فالتسامح هو النتيجة المنطقية التي تنتج عن البيئة الشفافة، التي تحمل من العدل أضعاف ما تحمل من الظلم، هذه الشفافية لا نحصدها اعتباطا،
وإنما بتجربة عميقة، أقل ما يمكن أن تعني، تجربة بناء مجتمع متكامل خالي من عقد الظن السيئ والمكنون اللاأخلاقي، بغض النظر عن السلوك اليومي لأفراد المجتمع، فلا يخلو أي مجتمع من منحطي الأخلاق، ولا يخلو أيضا من رفيعي القيم الأخلاقية، وهذا بحد ذاته مبرر كاف، لئلا يكون المعيار الأخلاقي هو الطريقة الوحيدة في الحكم على المجتمع،
وهذا لا يمنع من ملاحقة الجريمة أي كانت، حسب القوانين التي يعود إليها المجتمع، مع التفريق بين الفرد والمجتمع (أو الجماعة) في إصدار الأحكام، والتفريق كذلك بين الفعل والفكر في مجال التقييم اليومي لأفعال الناس.
في ظل الممارسات المعتمة، تُعرض أفعال الناس وإنجازاتهم على "عين الرضا"، فإن كانت هذه العين راضية واثقة، كان الفعل عظيما لا غبار عليه، وإن كانت ثقافة الشك هي الاتجاه السائد، نتج عن ذلك اختلال موازين القيمة والحكم عند المجتمع، فتعود النزاهة والتجرد ألاعيبا يحولها سوء الظن والتفسير الباطني إلى ظلال بشعة، فلا يعود الناس إلى الفعل نفسه في الحكم، وإنما إلى ظله المنعكس على جدار الظن، فيجدوا أمامهم صورة مختلفة عن صورة العقل والعلم، هي صورة منبعثة من نفس كدرتها تجارب الحياة، وحولتها إلى صراع مع الذات ينعكس في رؤية الآخرين، وهذا أقسى ما في الأمر، فالإنسان السوي يحب أن يرى الناس أسوياء مثله، ولكنه بحاجة إلى تفسير اختلافهم عنه، عندئذ تطل المصلحة بقرنها، مصلحة ملتوية تمتلئ حيلا وتمترسات لا طاقة للإنسان العادي بها، فتجد اليساري، مثلا، ينتقد الإسلامي ويعتبره، ظلما، سبب ألف عام من التخلف، ويقوم الإسلامي بتجريد اليساري من إيجابيته محولا إياه إلى طاقة سلبية، كفرد من جيش إبليس، وننسى في خضم ذلك، أننا أبناء ثقافة واحدة، بمحاسنها ومساوئها، وأننا شركاء في مصير واحد، ومستقبل واحد، ولا خيار أو بديل لنا عن هذه الشراكة.
ومن المعروف أن الاختلاف هو العامل الأول في حالة التمترس هذه، فلو كان لديك ـ عزيزي القارئ، توءما خرج معك من ذات البطن في نفس الساعة، فستجده يختلف عنك في طريقة تفكيره وتصوره، وبالتالي في فعله وتعامله اليومي، حتى لو عشتما في بيئة واحدة، وأخذتما نفس التربية، فبصمة كل منكما لابد أن تختلف عن أخيه، وكذلك روحه وأخلاقه، وهذا الاختلاف لا يعني السلب والإيجاب، وإنما يعني التنوع، إذ يمكن لذات المغزى الأخلاقي أن يتحقق بألف طريقة ممكنة، فالمشكلة أحيانا لا تكون في نية الفعل، ولكنها في نية التعاطي مع الفعل، فالنيات الغارقة في دلجة الضمير مغيبة عن علمي وعلمك، ولكن الفعل الظاهر أمام الجميع يحتمل الخير والشر، كفعل منفصل عن الفاعل والبيئة، وطريقة التقويم الجيدة هي الطريقة النابعة من صدق في المعالجة، بعيدا عن جدار الظن، الذي حول التقييم اليومي للناس، إلى سيئ وحسن، دون ترك أي مساحة من الاجتهاد والإصابة، وهذا بدوره أدى إلى صرم حبال التعاون والتكامل، والاستفادة المتبادلة من أخوة البيئة نفسها والمجتمع نفسه، ولكي نغطي على ثقافة الشك، وطغيان المصلحة الضيقة، قعدنا نبرر أفعالنا باختلاق قيم حقيقية، كالعقل أو الوطن أو الدين أو الحرية، ونحن نمارس أفعالا أبعد ما تكون عن هذه القيم المجردة، والتي لا يمكن لها أن ترتقي دون تقارب المجتمع تقاربا إيجابيا، يعكس معنى أن نكون أمة واحدة، وأن تستفيد هذه الأمة من دينها وحريتها في بناء وطن يستفيد حقا من عقول أبناءه، بإنتاج مستقبل حقيقي جدير بالانتظار والأمل.
إن أعداء المستقبل هم بالفعل، أعداء الدين وأعداء الوطن والحرية والعقل، ولكن هذه العداوة كثيرا ما تضمر، بأن يلبس الغريم رداء الضحية، فيجد الناس أن أكثر الناس بكاء على القتيل هم من قتلوه، وأنا شخصيا وبتجربة بسيطة متواضعة، وجدت أن حراس القيم والمنادين بها، ليسوا هؤلاء الذي يطلون علينا بنوافذ الصراخ اليومية، في بكائيات صارخة على لبن مسكوب، هم أحد ساكبيه، إن حراسة القيمة لا تكون إلا بتفعيل هذه القيمة، وجعلها خيارا حيا حقيقيا، للمجتمع من حولنا، وهذا لا يعني عدم القبول بالأفكار المجردة عن المشاريع التطبيقية، ولكنها دعوة لأن يكون نقدنا وصراخنا، وحبنا وبغضنا، مجسدا في صورة أفعال قبل الأقوال، هذه الأفعال ستتحول يوما إلى مشاريع، تطير بناء في سلم الحضارة والرقي، أما أن يحول كل صاحب نقد وصاحب رأي، كنزه الثمين هذا، إلى سلاح ضد أعدائه، من بني جلدته، لأنه يظنهم أعداء القيمة، فهذه كارثة حقيقية، تجعل أصحاب المصلحة الانتهازية، شخصية كانت أو إيديولوجية، هم الوحيدون الذين يحصدون ثمرة هذه الصراع الفوضوي، الذي لا يجبر مكسورا، ولا يقيم أود معطوب، فالفعل هو المحك، والتقويم هو الوسيلة، وصدق النية هي الآلية، أما التعميم العبثي وثقافة الشك فجريمة، يجب أن تكون في مزبلة الثقافة إلى الأبد، وعلى كل صاحب مسئولية، أن يحارب ثقافة الشك بطريقة خلاقة، فلا نداويها بالداء كما قال شاعر ما، وإنما بالبحث عن دواء ذي مغزى، يقود إلى نتيجة صالحة، تجلب المصلحة للجميع.
إن الكراهية ثقافة، يتحمل وزرها نخب من مختلف الألوان، ونتيجتها الشك والإقصاء، وعلاجها لا يأتي إلا بضدها، أي بنشر ثقافة التسامح والحوار، وعدم تعمد الاستفزاز، والأخذ بمقولة الفاروق (لست بالخب ولا الخب يخدعني)، فلا نتجاهل الفعالية وحسن التأثير بسبب الخوف من سوء الظن، ولا نتعمد الإثارة بالسرقة من رصيد الثقة، وهذا أمر ممكن، فقط، لمن وجده كذلك، أو لنقل هذا ممكن لمن قرر أنه كذلك.
• مشجب:

"علقوا على الحب أسماءكم
وأحلامكم
في سماء السنين
واجعلوا القادم زاخرا بالعمل
طائرا للأمل
وحنينا
لا فضاء ظنون
مطر المجد سيغمرنا
فعسانا إلى ارض الكرامة نسبقه
وبألف من سنابل خير الحياة
نكون."

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015