»نشرت فى : السبت، 27 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

سؤال محموم في عالم مأزوم: هل الإنترنت ضرورة أم ترف؟


في البلدان المتقدمة، يشارك أبسط الناس في صناعة عالم الإنترنت، هذا العالم الافتراضي (Virtual) الغريب، المثير للشك وللتفاؤل وللثقة وللتشاؤم في نفس الوقت، ولكن في عوالمنا "غير المتقدمة!"، لا يعتبر الإنترنت إلا وسيلة، محدودة، ومحددة، لمجموعة من الاستخدامات الطارئة، التي يشارك فيها الإنسان بقدر الاحتياج، أنا مثلا كففت عن شراء الصحف الورقية، ومتابعتها في الأكشاك، والتحسر من فوات هذا العدد أو ذاك الموضوع، بمجرد تعودي على عالم الإنترنت، هذا يعني، جزئيا، أن الإنترنت يمكن أن يصبح بديلا، لأشياء بعينها في عالمنا اليومي، ولكن هل في هذا كفايتنا من الإنترنت؟، كأداة تواصل إنساني فعال، فلا يزيد عن كونه، الوعاء المؤقت للأوعية التقليدية، نعود إليها بمجرد توفرها، أم أن الإنترنت أكثر من ذلك، حين يفرض نفسه في عالم شديد التعقيد، مليء بالأسئلة الكاملة، والأجوبة الناقصة!.
لقد بدأ التأريخ الإنساني منذ العام 3500 ق.م، وهم يزعمون ذلك، ويضعون هذا التأريخ، لأن التأريخ بدأ حين اخترعت الكتابة، وهذا لا ينفي أن ما قبل تأريخ الكتابة، كان تأريخا إنسانيا، ولكنه كان تأريخا غير مكتوب، صحيح أن الكتابة سجلت فقط القليل من التأريخ، ولكنها وثّـّقت لعصر تستطيع أن تتحدث عنه بثقة ما، وسبب ذلك تحول اللغة الشفهية للبشرية، إلى لغة مقروءة، وقد استطاع الإنسان أن يترجم ما كتبه الآفلون، بعد مضي آلاف السنين، وسواء كان ما كتبوه حقائق أم افتراءات، صدقها نسبي أم كلي، فقد استطاعت البشرية أن تسجل موطأ قادم لشيء اسمه التأريخ، هذه البشرية هي كل الأجناس وكل الحضارات وكل الأمم، ولكن بفعل تراكمي عبقري، غير مقصود في مآله، ولكنه كان مقصودا في تفاصيله الصغيرة.
لن استطرد في سرد تأريخ الحضارة، كما قد يخشى البعض، ولكنني أضرب مثلا، عن طريقة من طرق التواصل الإنساني اسمها حروف اللغة، ولا يعتبر اختراع الكتابة المحطة الوحيدة لبدء حياة بشرية ما، ولكنها خطوة تبعتها آلاف المحطات، نتذكر مثلا: الحبر، الورق، الكتاب، الطباعة، التلغراف، وغيرها كثير، هذه العجلة لم تقف عند الإنترنت، فقد ظهرت عوالم الاتصالات والفضائيات وهلم جرا.
ولم ينته الإنسان من اختراع هذه الأدوات بعد، ولن ينته، ما دام في البشرية إنسان، وقد أقرّ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم، حين تحدث عن الفسيلة، التي أمر بزراعتها حتى لو قامت القيامة قبلها، فالرسول لم يكن ليوجه أمرا يخالف به طبيعة الإنسان السليم وفطرته، وهذا تثبته الأيام والأحداث، أن الإنسان مطرد الأدوات، مطرد المسيرة التاريخية، بعيدا عن الأوهام والظنون، وكل هذا وفق مشيئة الله وسننه بكل تأكيد.
فالإنترنت بصفته وسيلة، يتقدم كل يوم خطوة، صحيح أننا نلاحقه بأنفاس ذاهبة، كعالم ثالث ينتظر المهدي دون أن يصنعه، ولكننا نقع كل يوم في مصيدة الإنترنت، كما وقعنا في مصائد الراديو والتلفاز والهاتف والستلايت والموبايل والـ..الخ، في طريق مفعم بالضرورات والاختيارات السلبية، فهل كتب علينا أن تظل طرقنا دائما (إجبارية)، ثم نعود لنسب الدهر، وقد فعلها عبد الحليم حين غنى قائلا: قدرٌ أحمق الخطى، وهي أغنية حفظتها عنه أجيال من أمتنا، كلا يا جيلنا العربي، فالقدر لم يكن، ولن يكون، أحمق الخطى، ولكننا كما قال الشافعي: نعيب زماننا ...
لقد عرف العالم، هذا البعيد القريب منا، كيف يتنبأ بالمستقبل، بدون كهنوت ولا شعوذة، وعرف كيف يسير في طريق العلم، الذي يكاد يتطابق مع طريق الرزق، فلا تنفع معه مؤامرة، ولا حيلة، والغرب خير من يشهد على ذلك، وكذلك الشرق، أما الأمة (الوسط) فلا شيء أمامها غير اختراع الحواجز الترابية، حتى يصبح من (الضروري) علينا إزالتها، وذلك في طريق المستعمر الجديد!.، فإذا كنا خلفاء الله في الأرض، فكل شبر يحتله مشرك، يعتبر شبرا من أرض الله التي استخلفنا عليها، أي استعمارا أو احتلالا علينا دفعه، ولكن ... هل ندفعه بالقوة، ونحن كأمة، أضعف ما خلق الله، أم ندفعه بالمباح والمتاح من الفعل والعمل الخلاق المبدع، هذا المتاح، لا يستطيع ولا يحق لأحد حجره ولا منعه، سواء بالكلام أو بالصمت، والصمت .. هذا الصمت، إنه يجلد أمتنا بأشد مما يفعله أعداؤها، هل هناك إشارة إلى الصراخ في كلامي، كلا، فالصراخ ليس مقابلا للصمت، ولكنه الكلام العاقل الذكي، الذي يبنى قيمه في صدق وذكاء، وهذه هي البصيرة.
سأختم بالسؤال نفسه، هل الإنترنت ضرورة أم ترف؟، وهو سؤال مطروح بدون إجابة وشيكة، لأنه تساؤل سنحصل على إجابته الموثقة، الأكيدة، بعد مائتي عام، وحين أقول الآن: نعم، فأنا أغامر بتنبؤ غامض لا أثق فيه مطلق الثقة، ولكن حين أقول:لا، فأنا أتنبأ تنبؤا أحمقا، يبيع المستقبل الغامض، من أجل حفرة شك مظلمة، ربما كانت أقل غموضا، ولكنها لا تبشر بشيء، وما لا يبشر بشيء في واقع كئيب، فهو يبشر بقادم أكثر كآبة، فالسعادة طريق إيجابي، تتحدى الكآبة وتتحدى الشك، وتتذرع بالثقة والنور والإيمان، لتصدرها للجميع، وفي هذه تصبح الإجابة: نعم، ولكن بشروط، هذه الشروط علينا أن نصنعها، وعيا وتفاؤلا، وأن نزرعها، فرحا وحبا، ورائحة ذكية، تنتصر للحقيقة، وتسارع في بعثها، بكل الوسائل المباحة، وإن لم تكن متاحة، فعالم المتاح هو عالم القلب والفكر، وما عالم المادة إلا انعكاس طبيعي له.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015