»نشرت فى : الأربعاء، 24 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

سيرة الرسول منهاج حياة

ليست قراءة السيرة النبوية الشريفة من باب الاطلاع على الأحداث التاريخية فقط بل يجب أن نقرأ ما وراء السطور لتلك السيرة العطرة التي تُعد إحدى معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة، فهي ليست مجرد (سيرة شخصية) لرجل عظيم أو حتى لنبي عظيم عاش حيناً من الدهر ثم ذهب، بل هي منهاج حياة لكل مسلم إذا لم أبالغ إن قلت لكل إنسان -أي كان معتقده-
لكي يتأسى بهذا النبي العظيم.. النبي الإنسان ؟!
فالمسلم سيرى في السيرة النبوية التطبيق العملي لأوامر الدين الحنيف وهي تتشكل ( مشخصّة) في سلوك النبي صلى الله عليه وسلم ..في أفعاله وأقواله وحركاته وسكناته عليه الصلاة والسلام ..
وغير المسلم - المنصف- سيرى سمو الإنسانية شامخة في هذا النبي الإنسان وإن لم يؤمن بنبوته وهذا حق يكفله الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم حيث يقول القرآن - مخاطباً النبي - ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) »يونس 99« فدعونا نتلمس بعضاً من ملامح هذه السيرة المنهاج ...
التوحيد الاعظم
في المرحلة المكية في بدايات الدعوة كان التوحيد ونفي الشرك هو الهم الأول حيث دأب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الدعوة إلى الالوهية والانصراف عن تعدد الالهة والشرك فكان هذا الأساس الأكبر لبناء المسلمين في المجتمع المكي آنذاك..حتى يصوّر القرآن الكريم استغراب القوم من الدعوة إلى (الإله الواحد) فيقول - على ألسنتهم :- (وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )«ص : 4 -5»
بل وعند خطابه للديانات الأخرى - كتابية أو وضعية - كان التوحيد هو الأساس - بغض النظر آسلموا أم لا لذا يقول القرآن (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) «آل عمران : 64»
لأن الإسلام يفهم أن دعوته التوحيدية هي امتداد واستكمال لدعوة التوحيد الخالص عبر الرسالات السابقة كلها كما يقول القرآن :( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُون ) «الانبياء: 25» ، وطيلة الثلاث عشرة سنة عاش المسلمون ومتلقو القرآن من غيرهم مع آيات خطابية للناس باسمهم العام دون تخصيص فئة بعينها لان الإسلام للناس كافة والدعوة إلى التوحيد هو الأساس الذي يرتكز عليه باقي البناء للتعالي نحو عنان السماء ..ونلاحظ أن القرآن لم يتحدث في هذه المرحلة عن بناء دولة أو أي تشريع (مدني) له علاقة بأمور دنيوية لأن المرحلة مرحلة تأسيس ... بناء الدولة
بوصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة بدأت مرحلة أخرى مرحلة بناء (الدولة) فالذين التفوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمنين -انصاراً ومهاجرين- تم ربطهم بالسماء عن طريق التوحيد الخالص في المرحلة السابقة - المرحلة المكية- الآن مرحلة ربطهم بالواقع المعيش بأمور الحياة الدنيوية فكان بناء الدولة أساس هذه المرحلة ..
لكن ما هي الدولة في الإسلام ؟
هي مجموعة النظم (المدنية) التي تحكم ( الأمة ) المنطوية تحتها وهذه (النظم) مستقاة أطرها العامة من (الدين) ..
ففي مجتمع المدينة لم يكن المسلمون لوحدهم بل كان هناك اليهود يشكلون جزءاً مهماً من نسيج ذلك المجتمع لا يمكن تجاهله لذلك أرسى النبي نظام (المواطنة) لكل فئات المجتمع المكونة لهذه(الدولة) الفتية عن طريق صحيفة أو ميثاق المعاهدة مع يهود المدينة لضمان استقرار الجبهة الداخلية للدولة وعدم اضطرابها واقرأ معي بنود هذه المعاهدة التي تقول
"1- إن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بنى عوف من اليهود .
2-وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم .
3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة .
4- وإن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم .
5- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه .
6- وإن النصر للمظلوم .
7- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين .
8-وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة .
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
10- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
11- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب . . على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم .
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم."
فكان هذا الدستور (المدني) نظاماً للجميع ومن اخلّ به كما حدث بعد ذلك من قبائل بني قينقاع وبني قريضة يتحمل التبعات التي تفرضها عليه مؤسسة الدولة..
حيثيات الدولة
ركّز القرآن في تلك المرحلة على المعاملات والأمور الدنيوية ونلاحظ ذلك في تتالي الآيات حول الحدود وأمور الحياة المدنية يقول القرآن :
- (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) »النور2« .
- «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ -يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ »المائدة33« .
وأمور أخرى كثيرة كآيات الحجاب والتنظيمات الأسرية بل إن أول أو ثاني سورة أنزلت في المدينة (على اختلاف المفسرين)هي سورة المطففين التي تحدثت عن موضوع (دنيوي) بحت وهو موضوع التطفيف في الميزان وكأنه استفتاح من القرآن للمرحلة الدنيوية (المدنية) لدولة الإسلام الفتية..
ولما تعرضت الدولة للغزوات المتتالية كانت آيات القرآن حافزة للمسلمين على (الدفاع)عن كيانهم وعدم الاعتداء إلا في حالة الاعتداء عليهم يقول القرآن:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) «البقرة : 190 - 194»
وظل هذا ديدن المسلمين من غزوة بدر حتى صلح الحديبية والذي استطاع المسلمون بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم من خلال هذه الصلح ان يحصلوا على (اعتراف) رسمي بدولة الإسلام من منكري دعوتهم بل ومضطهديهم بالأمس من خلال بنود الصلح المعروفة لتبدأ مرحلة جديدة مرحلة نشر دعوة الإسلام بمد جغرافي أوسع لكسب أطراف جديدة أو جعلهم على الحياد من مهمة المسلمين القادمة في نشر التوحيد الخالص والتي توّجت بفتح مكة وتوطين التوحيد في قلب الجزيرة العربية ليكون استقرار الجزيرة نقطة انطلاق لنشر الرسالة خارجها من دولة الإسلام الأولى والتي ظلت المدينة المنورة حتى بعد فتح مكة...
ولنا وقفات في مقالات قادمة إن شاء الله.... هذا غيض من فيض لملامح منهاج السيرة النبوية الخالدة.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015