»نشرت فى : الأربعاء، 24 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

تاريخية الدين أم دينية التاريخ ؟

التاريخ سجل البشر حافل بأعمالهم وأفعالهم عبر امتداده الزمني منذ ظهور الكتابة – بأي نوع – عبر الحضارات المتعاقبة منذ ذلك الزمن السحيق .
وهذا التاريخ المدّون قام بتدوينه القاهرون على أعدائهم سواء في لحظة الحدث أو بعد ذلك .
فهل كان هذا التدوين حقيقياً ؟! مطابقاً لما حدث فعلاُ ؟!

من مفهوم طريقة التدوين وزمنها وتناسقها مع الحدث يتضح ان هذا التدوين لم يكن فعلاً الحدث الذي حصل تماماً لعدة إعتبارات هي :-
1/ عدم استقلال هذا التدوين عن شخصية المدّونين انفسهم او المدّون عنهم من قادة وصانعي للتاريخ بل ظهر ذواتهم وانطباعاتهم في ذلك التدوين سواءً مجاملة او مخاصمة للأشخاص المدّون عنهم .
2/ زمن التدوين الذي تم كثير من الأحيان متأخراً عن زمن الحدث نفسه مما يبعد مصداقية هذا التدوين عن حقيقة الحدث نفسة نظراً لظروف المكان والزمان وكذلك هذه الفجوه الزمنية بين الحدث وتدوينه يبتلع روايات ويبتدع روايات جديده – قد تكون مصنوعة أو موضوعة – عن الحدث نفسه .
3/ أي حدث تاريخي مهم هنالك غالب ومغلوب ومنهزم ومنصور في هذا الحدث مما يؤدي هذا التقسيم الى ظهور الفئات المناوئة لرواية الفئة الأخرى بحيث في النهاية يضيع جوهر الحدث من نفس منتصرة في معركة الحدث الذي غلبت فيه فتضيع الحقيقة هناك !...
4/ عدم وجود المؤرخ المحايد الذي يدوّن الحدث للحدث بعيداً عن أي تأثيرات أخرى ...
هذا المؤرخ الذي يجب ان يكون متفرجاً عن الحدث ليس مشاركاً حتى لا يتحيز لتلك الفئة على غيرها مما يشوب شهادته عن الحدث ..
وإن وُجد هذا المؤرخ المنصف فهل تصل روايته المحايدة إلينا في حالة تراكم الزمن وتباعده عن لحظة الحدث ؟! ووجود روايات كثيرة ظاهرة على السطح غير رواته ؟!!

لا يمكن الوثوق بالتاريخ

مما تقدم نخلص ان تدوين التاريخ الذي بين ايدينا لا يمثل حقيقة الحدث المطلقة اذ ليس هناك حدث تاريخي مطلق بل ركام روايات سجلتها كتب التاريخ المتباينة في أغلب الأحيان حول مسألة معينة .
ونحن في تاريخنا العربي الاسلامي وما تركه مؤرخونا الأولون من كتب تداولت بيننا اعتبرها الجميع هي المرجع الأوحد والمفصّل عن ذلك التاريخ الذي حدث ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تطور الوثوق بهذه الكتب حتى صنعنا حولها قداسة وان مافيها هو التاريخ لا غيرها , ناسين او متناسين ان هذا التاريخ في أي
من هذا الكتب ماهو الا جهد بشري لم ولن يبلغ الكمال مهما اجتهد كاتبه ولم نأخذ بعين الإعتبار أيضا الظروف العصرية التي صاحبت تدوين هذا التاريخ في تلك الكتب بل وأحوال وأشخاص المدّونين واتجاهاتهم المذهبية والفكرية وطريقتهم العلمية في التعامل مع الحدث لتدوينه وفرق شاسع بين التدوين بحد ذاته من الروايات التي كانت متاحة امام الشخص المدّون وبين تحقيقه لهذه الروايات وترجيحه لأخذ الأصلح للتدوين فالناظر – مثلاً – لتاريخ الطبري وتفسيره ايضاً يرى ان الطبري يورد للحدث الواحد عدة روايات – بعضها متباينة عن بعض – فأين الحدث ؟!
أو مشابهه له مؤرخون آخرون صحيح لم يوردوا عدة روايات للحدث لكنهم انتقوا رواية معينه لماذا ؟..
وما هو معيار ذلك المؤرخ لأخذه تلك الرواية بحد ذاتها وتركه الباقيات ماهو منهاجه العلمي في ذلك ؟!
كل هذا يجعلنا لا نثق بالتاريخ هذه الثقة العمياء ..

الدين والتاريخ

ما موقف الدين من التاريخ !
وماهو موقف التاريخ من الدين ؟!
كيف تعامل التاريخ والمؤرخون إن صح التعبير مع الدين وأحداثه التي صاحبت نزول الرسالة الدينيه على الأنبياء وهم بشر تجري عليهم أحداث يجب تدوينها مثلها مثل بقية الأحداث الأخرى !! ام لها خصوصية أخرى أو ما يدور بأذهاننا من تعبير وهو قداسة باعتبار هذه الأحداث هي مصدر تشريع ذاك الدين؟!
أولا الدين : جملة النصوص الموجودة بين ايدينا من الكتب المقدسة – كالقرآن مثلاً – وكذلك ما قاله النبي (ص) في زمن حياته ومن كان معه وتمثل هذا في السيرة النبوية المعطرة لكن السؤال هل هذه الأحداث تاريخ أم لا ؟!
أقول نعم السيرة النبوية هي أحداث تاريخ يجري عليها ما يجري محل احداث التاريخ الأخرى من عدم الوثوق في التدوين بل ويجعل من هذه التدوين ذو خطورة كبيره .
ان التشريع يستمد من هذه الأحداث فيجب ان يكون اكثر وثوقاً ..

تاريخية الدين

احداث التاريخ التي استمدت صفة الدين هي محور موضوعنا أصلاً فالحدث في جوهره تاريخي لكنه بلباس الدين وهنا تكمن الخطورة فالحدث التاريخي أصلاً لا يمكننا الوثوق به وكوننا نضفي عليه الصبغة الدينية يكسب هذا الحدث قداسة لا يمكن المجادلة عليها والإعتراض وهنا حجر الزاوية في المشكلة فالحدث له هاتين الصفتين معاً يفتح باب للمراجعة الحذرة الى لابد منها لتقبل هذا الحدث على وضعيته وتكون المراجعة كالتالي : -
أولا : البحث عن الحدث من منحى تاريخي لمعرفته ظروفه التاريخية وتفاصيلها وملابساتها حتى نصل الى درجة وثوق عليا في هذا الحدث من جهة التاريخ .
ثانياً : قداسة الدين التي صبغت هذا الحدث هي الأخرى خطره وبدون هذه الصبغة الدينية يصبح الحدث التاريخي قابلاً للأخذ والرد والمراجعة بل والنفي من أساسه لكن مع وجود العنصر الديني والصبغة الدينية في الحدث يجعل في أذهاننا – مجرد الاقتراب منه أو مناقشته خطأ فادحاً قد يكون عقوبته التكفير وهنا الكارثه ..
وهذا ما حدث من خلاف في تاريخنا الإسلامي بين السنة والشيعة لأن مصدر الخلاف بين الفريقين يعود لأحداث تاريخية اضفى كل فريق على حدث بعينيه صفة الدين مما جعلها – أي تلك الأحداث – مصدر تشريع وحجة جدال لكل فريق عن الأخر .
دينية التاريخ

الشيعة أخذت من حدث (غدير خم) وما حدث فيه من تفاصيل وحوار – وهو حدث تاريخي -  اخذوه مرجعاً لولاية الأمام / علي (رضي الله عنه ) وخلافته للمسلمين بعد وفاة الرسول ونحن نسلم بالحادثة كتاريخ مجرد لكن إضفاء الصفة الدينية عليها  هي نقطة الخلاف بين السنة والشيعة فالسنة تؤكد الحدث تاريخيا وتوثقه لكن تفهمه بشكل ديني يدل على الخلافة لم يتم الموافقة عليه من حيث أن الشيعة اتخذت هذا الحدث ذريعة وحجة لخلافة الإمام (علي) وعلى النقيض فالسنة ترى من أمر النبي (ص) لأبي بكر (رضي الله عنه ) بالصلاة بالناس أثناء مرضه – وهو حدث تاريخي – حجة لخلافة ابي بكر (رضي الله عنه ) للمسلمين بعد النبي (ص) وهذا نفس موقف الشيعة من حدث غدير خم .
فأين تكمن المشكله ؟
المشكلة في دينية التاريخ وجعل هذا الحدث عند طائفة وغير مقدساً عند طائفة اخرى مما صنع الانقسام الذي نعيشه اليوم .
وحقيقة الأمر الأحداث تاريخية لا يمكن الوثوق بتدوينها ولن تجد في شريعة النبي (ص) أي من أحداث التاريخ مصدرا للتشريع بل التشريع مع نصوص صريحة لا لبس فيها ام الحدث التاريخي فنتناوله بشيء من الشك الديكارتي من البداية يجعل التمحيص والفحص عن الحدث يوصلنا الى درجة الوثوق العليا للتاريخ بعيداً من إرباك المصادر وتباينها حول تلك الاحداث .
منهج الحل

الفصل بين الحدث من حيث تاريخيته والحدث من حيث قداسة الدينية وجعل صفة القداسة لأي حدث هو الفيصل في الأمر حتى لا نعلّق قداسات على أحداث تاريخية مجردة لا تمس شريعة او عقيدة بشيء بل ولا تنتمي للدين بشكل واضح وجلي ولا تعتبر مخالفتها خروجاً من الملة او ثلماً في الدين .
اقول مشكلة الخلافة بعد النبي (ص) لا أرى صحة لأي فريق في دعواه الدينية لأحد على الآخر فالخلافة بشكلها الذي حدثت فيه لا صلة للدين في ذلك رغم كل الأدلة التي ساقها كل فريق – سنة وشيعة – فلاهي لأبي بكر ولا لعلي رضي الله عنهما بل تركها النبي (ص) للمسلمين ليختاروا حاكمهم بمعايير سياسية لا تمت للدين باي صلة ..
وأي الصاق ديني لتلك المعايير وربط اختيار ذلك الخليفة او عدم الموافقة على غيره اعتماداً على أحداث تاريخية سابقة في عهد النبي (ص) لا معنى له من الصحة ويعتبر تعسفاً للنصوص ولي عنقها لأي هواء مؤرخي أي فريق ..

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015