»نشرت فى : الأربعاء، 24 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

الإسلام بين الدولة الثيوقراطية والعلمانية

 لعل من الأمور التي شاعت في زماننا هي تلك المسميات الحديثة التي دخلت دنيانا اليوم سواء عن طريق الترجمة – في كل المجالات- أو من خلال الذين عادوا من أرجاء المعمورة محملين بثقافة تلك الاقوام متشربين أو متأثرين ..كل هذا اشاع عدة (مسميات ) جديدة على واقعنا العربي والاسلامي فأفرزت (مفاهيم) جديدة وتساؤلات لم تُطرح من قبل أو طُرحت منذ زمن واُعيد إحياؤها  الآن..ومن هذه المصطلحات ( العلمانية ) وعلاقة الدين بالدولة وما مدلول الدولة الثيروقراطية؟  وهل صحيح ان الإسلام دين ودولة؟ كما يُشاع في ادبياتنا الاسلامية ؟! وغيرها من المفاهيم احاول تسليط الضوء عليها من خلال هذه العجالة .
الثيوقراطية والدولة الدينية

من اول هذه المفاهيم الثيوقراطية theocracy  او ( نظرية التفويض الإلهي) حيث جعلت طبقة من رجال الدين (اكليروس) في الفكر الغربي هم المفوضون  للاعمال الدينية البحتة ولهم السلطة الدينية البحتة التي لا ينازعهم عليها احد..جاء في الموسوعة العربية في تعريف الثيوقراطية “ شكل من أشكال الحكومات النصرانية الغربية، يحكم فيها الدولة قسيس، أو كاهن أو مجموعة قساوسة، ويكون فيها لرجال الدين سلطة في الأمور المدنية والدينية. وقد جاءت كلمة ثيوقراطية من كلمتين يونانيتين: الأولى كلمة ثيو، وتعني إله، والثانية كلمة قراط وتعني الحكم.
وقد اعتقد كثير من القدماء أن إلههم، أو آلهتهم، قد سلموا القوانين إلى حكوماتهم. (نظرية التفويض الإلهي عند الغربيين النصارى) فقد كان يُعتقد أن مدونة (قوانين) حمورابي قد نزلت وحيًا من السماء. وقد سمِّيت الحكومة التطهيرية في ماساشوسيتس، بالولايات المتحدة ثيوقراطية. وقد استمرت لسنوات كثيرة على أساس الطاعة للقانون الإلهي كما يفسره رجال الدين النصارى.”(1)
والسلطان في هذه الدولة هو (ظل الله ) على الارض  ولا يجوز مخالفته لأنه مقدّس وتلك الطبقة من (رجال الدين) هي السلطة الدينية على رقاب العباد فتعريفها  “ ان يدّعي شخص ما لنفسه صفة الحديث باسم الله وحق الانفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره “(2)  فيصبح (الدين) هو النير المعلّق على رقاب العباد بسبب هذه الزمرة لأنهم هم الحكّام المطلقو التصرّف في كل شؤون الحياة الدينية والمدنية ولا صوت يعلو فوق صوت الكنيسة فما رأته الكنيسة صوابا فهو الصواب المطلق الذي لا نزاع فيه..
الصدام
اصطدمت الكنيسة الآوربية بثورة العلم الحديث في اوائل القرن السادس عشر الميلادي عندما قدّم نفر من علماء الطبيعة آراء علمية مغايرة لما تدين به الكنيسة فكان كوبرنيكوس ( وهو قس) صاحب مبدأ ان الشمس هي مركز الكون وليس ما تدين به الكنيسة ان الارض هي مركز الكون فثارت الكنيسة لذلك ولكن الذي انقذ هذا القس هو وفاته عام 1543 م قبل تداول كتابه لدى الكنيسة الكاثوليكية لكن الكنيسة صبت جام غضبها على معتنقي افكار هذا الكتاب فقد تم احراق ( جيوردانو برنو) عام 1600 م،وحبس جاليلو ليتراجع عن ارائه القائلة بأن الارض تدور حول الشمس المخالف للرأي ( المقدّس) الذي تفرضه الكنيسة..
هذا هو تسلط الدولة الدينية التي تريد ان تحاكم كل شيء في الحياة بمقياس الدين فقط او تحت اسم الدين ..






نهوض العلمانية

كان رد الفعل لهذه التصرفات ( المقدّسة) ان ظهرت العلمانية (بفتح العين) للتخلص من سيطرة رجال الدين على مفاصل الحياة المدنية ويجب ان نوضح هنا بعض امور مهمة :-
1.العلمانية هي ترجمة للكلمة secularism الانجليزية او secularity الفرنسية وهي كلمة لا صلة لها بالعلم science او بالمذهب العلمي scientism كما يروّج لها معتنقوها فالنسبة إلى العلم هي scientific او بالفرنسية scientifique  اذا العلمانية بفتح العين لا بكسرها حتى لا يظن احد ان لها علاقة بالعلم .
2.تعرّف دائرة المعارف البريطانية العلمانية “ هي حركة اجتماعية تهدف إلى حرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا فقط “(3) فالترجمة الموثوقة هي اللادينية (بلا دين)
3. تنقسم العلمانية إلى نوعين اساسيين هم العلمانية المعتدلة nonreligious هي لا دينية ولكنها ليست معادية للدين والنوع الثاني علمانية متطرفة antireligious لا دينية ومعادية للدين.
فكانت العلمانية ان اقصت الدين والتشريع عن مناحي الحياة المدنية فأصبح  ما لله لله وما لقيصر لقيصر.
4ــ يجب ان نحدد معالم العلمانية بوضوح فنحن عندما نقصر الدين على (طقوس) تعبدية نمارسها في اماكن العبادة او شعائر دون ان تؤثر في (سلوكيات) حياتنا المدنية العامة فنحن نمارس العلمانية رغم اننا متدينون لان غاية العلمانية ( الفصل) التام بين الدين والحياة عموما والدولة او النشاطات الحياتية الاخرى.
5 ربما الغرب المسيحي او المتدين بأي دين كان تطبيقه للعلمانية له ظروفه التاريخية وارهاصاته التي اوصلته إلى تلك المرحلة لكن يجب ان نعرف انه حتى الكنيسة البابوية نفسها مارست العلمانية في جوهرها ولم يكن ( الدين) الظاهري الا ( السوط) الذي ترفعه في وجه العباد لاستعبدهم كما جاء في تاريخ العالم”إن المسيحية لم تكن عند أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي تحته نظرة وثنية خالصة إلى الحياة”(4)  وهذه صورة العلمانية .

مفهوم الدولة الاسلامية

الان وصلنا الى المفهوم الإسلامي للدولة وعلاقتها بالدين ؟!
ان الثيوقراطية تسربت الينا  من مفهوم الخلافة الذي تعريفه “ النيابة عن الغير اما لغيبة المنوب عنه واما لوفاته واما لعجزه واما لتشريف المستخلَف وعلى هذا الاخير استخلف الله اوالياءه في الارض قالى تعالى [وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ] الانعام 165 “(5) فالخليفة هو منوط بامر اصلاح( الدنيا ) كما اراد الله وليس (ظل الله في الارض) كما يفهم فمفهوم ( خليفة الله) ليس الاطلاق في التصرف على حد تعبير معاوية بن ابي سفيان “ الأرض لله وانا خليفة الله فما اخذت فلي وما تركته للناس فبالفضل مني (6).
هذه السلطة الدينية مرفوضة في الإسلام بل الاصل ان الخليفة مفوض بما لديه من سلطات من ( الأمة) لتطبيق شعائر ( الدين) من اجل اصلاح ( الدنيا).
فالدولة الاسلامية هي مجموعة النظم (المدنية ) التي تحكم (الأمة) المنوطة تحتها وهذ ( النظم ) مستقاه في (اطرها) العامة من (الدين)الإسلامي وعلى هذا فإن”التمييز لا الفصل بين الدين والدولة هو موقف الإسلام “(7). اما الامة التي تحكمها هذه الدولة “ فيميز التراث الإسلامي بين (أمة) الدين و( أمة ) السياسة فأمة الدين هي ( المؤمنون) بين الإسلام أي الجماعة المصدقة بأصول الإسلام ونبوة محمد عليه الصلاة والسلام ..
اما أمة السياسة فهي جماعة المواطنين الذين تربطهم علاقة (المواطنة ) في الدولة الاسلامية وأن تفرقت بهم عقائد الديانات التي يؤمنون بها”(8)..
فعلى ذلك ليس الدين ( مسيطرا ) باشخاص ( دينيين) على نظام الدولة كما في الثيوقراطية فليس في الإسلام (رجال دين) بل قضاة ومفتين العلاقة بهم في مجال توضيح وتفسير ( مفاهيم) هذا الدين دون ادنى قداسة او عصمة لأحد منهم ولا رأي ملزم منهم على احد ولا وساطة بين العبد وربه .
ولا هو دين ( مفصول) تماماً عن الدولة في معزل عن شؤون الحياة لكن الله فوّض للامة ان تقوم بامور حياتها (الدنيوية) في (أطر) الدين العامة فالعلاقة بين الدين والدولة في الإسلام هو (التمييز) لا الخلط الثيوقراطي والانفصال العلماني..



هل الدولة ضرورية في الإسلام ؟

الناظر إلى السير ة النبوية الشريفة يجد ان الرسول عليه الصلاة والسلام اثناء المرحلة المكية والتي استمرت لمدة ثلاث عشرة سنه لم يكن هناك ( دولة) مع ان الدين موجود فالاسلام في كل الاوضاع (دين) له اصوله وقواعده الدينية ذات الثوابت التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان ( الأمور التعبدية) ولذا نضفي  عليها اسم ( الاصول الاسلامية) ومن اهمها عقيدة التوحيد التي ارساها النبي الكريم في الفترة المكية فكانت الآيات القرانية في تلك الفترة مهتمة بهذا الامر الذي يمثل جوهر الدين الإسلامي واساسه فإن الاسلام في تلك المرحلة يمثل (دينا )فقط.
حتى اذ كانت المرحلة الثانية بعد الهجرة النبوية الشريفة إلى المدينة المنورة أسس المصطفى عليه السلام ( الدولة الاسلامية) التي استمرت بعد ذلك وتطورت حتى اليوم ..
وهنا نجد ان( الدين) أصلا يحمل في طياته بذور ( الدولة) فالدولة الاسلامية هي ( المتغير ) المضبوط بـ(ثوابت) الدين التي تتجدد(أي المتغيرات) في كل زمان ومكان.
فالتمييز بين الدين والدولة – وليس الفصل – مهم  و” الفقهاء قد ادركوا هذا التمييز فوضعوا ابواباً للعبادات وابواباً للمعاملات وبذلك فرّقوا بين المسائل الدينية وبين القانون بمعناه الحديث”(9).
اما سؤالنا المطروح فهل الدولة ضرورية في الإسلام ؟
فيجيب الدكتور / محمد عمارة قائلا” ان القرآن الكريم الذي لم يفرض على المسلمين اقامة ( الدولة) قد فرض عليهم من الواجبات الدينية ما يستحيل عليهم القيام به] أي الدين [والوفاء بحقوقه اذا هم لم يقيموا (دولة) الإسلام “(10) فأمور الزكاة وتطبيق الحدود والحج وغيرها أمور دينية تحتاج إلى دولها لتطبيقها...
فامر الدولة الاسلامية  التي تحتكم إلى (ثوابت)الدين الإسلامي في امور (المتغير) الحياتي ضرورة لكل الطوائف الموجودة على الساحة ضمن مفهوم المواطنة - وليس الدولة الدينية- كما أسسها النبي عليه الصلاة والسلام في المدينة في الصحيفة او العهد الذي كتبه لنظام حياة كل (مواطني ) المدينة المنورة سواء المسلمين او اليهود ومن يلحق بهم ..
تقول “بنود المعاهدة
- إن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بنى عوف من اليهود .
-وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم .
- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.
- وإن بينهم النصح والنصحية، والبر دون الإثم .
- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه .
- وإن النصر للمظلوم .
- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين .
 -وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة .
- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها .
- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب . . على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم .
- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم .”(11)
والله اعلم

الهوامش :

1/ الموسوعة العربية العالمية مادة (الثيوقراطية).
2/ الدولة الاسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية د/ محمد عمارة ، ط1 ص 14.
 3/ دائرة المعارف البريطانية مادة secularism.
4/ تاريخ العالم (330/4).
5/ مفردات غريب القران للراغب الاصفهاني ص 162 مادة (خلف)
6/ الدولة الاسلامية مرجع سابق ص18.
7/ نفسه ص65.
8/ نفسه ص66.
9/من اعلام الاحياء الإسلامي ، د/ محمد عمارة ،ط1 ص256.
10/ الدولة الاسلامية مرجع سابق ص209.
11/ الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري ، ط1 ص 168.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015