»نشرت فى : الأحد، 21 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

حقيقة العلم

.. شاع في زماننا مسمى العلم على اشياء كثيرة بعضها ذو علاقة بالعلم والبعض الاخر لاعلاقة له بالعلم من وجه. وظل مسمى العلم دليلا على جودة الشيء لان العلم نقيض الجهل .
لكن من هم العلماء ؟ خصوصا وقد قسمنا العلم اليوم بين العلم الديني – الشرعي –والعلم الدنيوي..
فمن هم الذين نضفي عليهم لقب(العلماء) هل هم علماء الشرع أم علماء الدنيا؟
ولفظ العلم إن ورد في القران الكريم او الحديث الشريف لمن يمت من الطائفتين السابقتين؟

بين العالِم والفقيه

إن الاجحاف بعينه هو إضافة صفة (العالِم) على رجل الشريعة دون غيره كما هو منتشر بين الناس أن هذا هو العالِم..فمن أين جاء هذا الفهم؟
إن تعريف العلم هو" إدراك الشيء بحقيقته "(1) فمن هذا التعريف ينسحب لفظ العلم على كل ادراك لكنه الاشياء وحقائقها فما يمارسه عالِم الكيمياء أو الفيزياء أو العلوم الطبيعية الاخرى  يدخل ضمن مسمى العلم.
أما عالِم الشريعة فهو في حقيقة الامر يتعامل مع نصوص مكتوبة أو مسموعة دون أي تربة مختبرية يجريها فهو وإن انسحب عليه لفظ العالِم في الاصل فقيه ..
لان " الفقه العلم باحكام الشريعة وتفقه إذا طلبه فتخصص به قالى تعالى( ليتفقهوا في الدين) "(2)
والعرب تقول"لكل عالِم بالحلال والحرام فقيه"(3). وعلى ذلك يكون " الفرق بين العلم والفقه هو أن العلم بمقتضى الكلام على تأمله .تقول لمن تخاطبه تفقه ما أقول أي تأمل لتعرفه ولا يستعمل  إلا على معنى الكلام ومنه قوله تعالى ( لا يكادون يفقهون قولا) وسمي علم الشرع فقها لأنه مبني على معرفة كلام الله وكلام رسوله"(4)
وفي الانجليزية يفرقون بين عالِم الشرع او الدين (scholar) وبين عالِم الطبيعيات (scientist).

العلم في الكتاب والسنة

 "يأتي العلم في القرآن الكريم بمعنى "القرآن والسنة"، كما في قوله تعالى: (ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولانصير) . وقد يأتي العلم مرادفًا للقرآن الكريم حسب تفسير ابن كثير لقوله تعالى: ?فما اختلفوا حتى جاءهم العلم? . ويأتي العلم بمعنى عِلْم الدين، كما في الآية ? قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين? . قال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن إن الذين أوتوا العلم هنا هم الملائكة وقيل الأنبياء وقيل المؤمنون. أما الذي أوتوه فهو عِلْم الدين.
وقد يأتي العلم في القرآن على خلاف هذه المعاني لكنه مقيد، كما في قوله تعالى: ( فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا يستهزئون? ، فالعلم هنا هو المناقض لدين الرسل، وقيل من عِلْم الدنيا كما في قوله سبحانه: (يعلمون ظاهرًا من الحياة الدنيا) ، وقيل إنه من العلم وهو في حقيقته من الشُّبَه الداحضة.
غير أن القرآن الكريم تضمّن أيضًا آيات تشير إلى العلم بمفهوم دنيوي يتصل بمعاش الإنسان، كتعليم الله سبحانه لآدم الأسماء كلها، وتعليم داود استعمال الحديد. ومن ذلك تعليم الله سبحانه أنبياءه علومًا معجزة كتعليم سليمان منطق الطير. وفي قوله تعالى: ( علم الإنسان ما لم يعلم) . إطلاقية في الدلالة قد تشمل علومًا كثيرة تتصل بمعاش الإنسان وسعيه في الحياة الدنيا.

أما في السنة النبوية فيأتي العلم في المقام الأول بمعنى العلم بأمور الدين، لكنه قد يشمل غير ذلك. ومن ذلك ما ورد في سنن الترمذي عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولادرهمًا إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ومن سلك طريقًا يبتغي فيه علمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم وإن العالم ) . فميراث الأنبياء هنا هو العلم بالدين أولاً، وإن كان الأنبياء علّموا أقوامهم أمورًا أخرى. وقد ورد في الحديث إشارة إلى العلم بالمعنى الدنيوي الدال على التحصيل الإنساني بالتجربة والتفحص بعيدًا عن التشريع الإلهي، كما في قوله ³: (أنتم أعلم بأمر دنياكم ) في الحديث المعروف حول تأبير النخل في صحيح مسلم. وفي رواية أخرى أنه قال: (إنما أنا بشر. إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به. وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر ) ."(5)

وعلى هذا " فالعلم الذي دعا الاسلام الى تحصيله هو العلم على اطلاقه "(6)

في ظلال اية

الاية التي يرفعها الكثيرون كدليل ان العلم هو الشرعي ولا سواه هي قوله تعالى(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر28
اقول اولا: الاية مبتورة  فالاية كاملة (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (27) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (28) ) فاطر 27-28
هكذا يكون السياق متكامل .
ثانيا : دعونا نرى نقرأها كاملة الحديث هنا عن ( انزال الماء من السماء (أي المطر) واخراج الثمرات) ومن ثم (اختلاف  الوان الجبال والناس والدواب والانعام  )
اليست كل الايات السابقة تدخل ضمن العلم التطبيقي او لنقل الدنيوي ( علم الارصاد الجوية) و(علم الجيولوجيا) و(علم الاحياء)  فأين علماء الشرع في ذلك؟
ثالثا: العلماء كلهم يخشون الله لاشك في ذلك لكن لماذا يتم استثناء علماء العلوم التطبيقية من ذلك ؟
هل بسبب أن العلم التطبيقي اليوم من الغرب والغرب – في نظرنا – كفار؟
اسمع بعض لبعض شهادات اكابر العلم التطبيقي :
-         (بلا شك الطبيعة كتاب الله الاخر الذي لا نستغني عن قراءته )جاليليو
-         ( غايتي  ان اتذوق لذة اكتشاف الخالق العظيم ) جاليليو
-         (غايتي ان اجد الله واعرفه ) نيوتن
-         ( الله هو خلق كل شيء وفي الرياضيات تركيبات المعادن ولهذا السبب نحن ندقق فيها) باسكال
-         ( العلم بلا دين أعرج) اينشتاين
-         (إن هذا العالم الذي نعيش فيه، قد بلغ من الاتقان والتعقيد درجة تجعل من المحال ان يكون قد نشأ بمحض المصادفة. انه مليء بالروائع والأمور المعقدة التي تحتاج إلى مدبر، والتي لا يمكن نسبتها إلى قدر أعمى. ولا شك ان العلوم قد ساعدتنا على زيادة فهم وتقدير ظواهر هذا الكون المعقدة. وهي بذلك تزيد من معرفتنا بالله ومن ايماننا بوجوده) جون وليام كلوتس  أستاذ علم الأحياء والفسيولوجيا بكلية المعلمين بكونكورديا منذ سنة 1945 - عضو جمعية الدراسات الوراثية - متخصص في الوراثة وعلم البيئة (7)

الفهم الخطير

الفهم الذي يسيطر علينا اليوم – وعل ناشئتنا خصوصا- هو ان الله لن يحاسبنا الا على العلم الشرعي فلماذا نحصل العلم الدنيوي ؟!!!

ان هذا الفهم المغلوط والناقص ينافي مبدأ الاستخلاف الذي منحه الله سبحانه وتعالى للانسان على هذه الارض فالخليفة يجب ان يستغل كل الامكانات التي أتاحها الله له ليتمكن من انجاز خلافته على الوجه الذي يرضي خالقه وكيف له ذلك دون علم دنيوي بجانب العلم الشرعي طبعا في بوتقة واحدة
لا فيه صلاح الدنيا والدين ولنتذكر مقولة الامام الغزالي " لايصلح الدين الا بصلاح الدنيا "وما هي مقومات صلاح الدنيا اليوم ؟ اليس العلم الطبيعي احد اهم هذه المقومات ؟!!
اسوق هذا الكلام لكل سائل لي لماذا ندرس رياضيات او كيمياء أو انجليزي الله لن يحاسبنا الا عن الصلام والصوم وغيرهما من امور الشرع ؟
تحصيل العلم ( باسمه الجامع) احد اهم العبادات ودعونا نقرأ قوله تعالى(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [آل عمران :190- 191]
بماذا سيتفكّر المؤمنون هؤلاء أولو الألباب أليس العلم الطبيعي هو الوسيلة العظمى لهذا التفكّر ؟!!!



الهوامش :
1/ مفردات غريب القران  الراغب الاصفهاتي ص343
2/ نفسه ص384
3/مقاييس اللغة ابن فارس ج4/ص442
4/الفروق اللغوية ابو هلال العسكري ص382
5/ الموسوعة العربية العالمية مادة علم
6/ العلم في الاسلام انور الجندي ص64
7/ من أفلام هارون يحي( القران يهدي الى العلم) +كتاب الله يتجلى في عصر العلم الدكتور الدمرداش عبد المجيد سرحان




    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015