»نشرت فى : الخميس، 25 نوفمبر 2010»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

الرسول بين البشرية و النبوة

.. عندما تظهر الافكار والمبادئ على يد شخص او عدة اشخاص وتلقى هذه الافكار رواجا لدى مريديها تلوح هالة حول هذا الشخص المؤسس مما يضفي عليه نوع من القداسات من كل نوع فهو الذي لا يخطىء ولا يزل ولا.. ولا...
ويتناقل المريدون حكايات واساطير حول تلك الشخصية تجعلها في مرتبة مبرأة من كل عيب وخطأ وأي تشكيك او محاولة تشكيك حول تلك الأساطير تعتبر في نظر المريدين المتحمسين خطأ فادحا وانتهاكات كبيرة ثلمت تلك القداسة المزعومة..
فكان اهتمام المريدين منصب على الشخصية لا على الافكار التي تحملها ونرى ذلك في تحول افكار المريدين بمجرد تحول افكار تلك الشخصية المهيمنة او رحيلها ؟!
بشرية الرسل

وعندما نصل بامتداد التاريخ إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام يقف القران كأفضل مترجم موثوق به حول تلك الشخصيات نلاحظ التركيز على ( بشرية) الرسل إلى حد استغراب وانكار اقوامهم حول هذه البشرية وكيف لهم ان يخضعوا لبشر لهم كل الصفات البشرية بكل تفاصيلها ؟!
يقول الله سبحانه وتعالى :-
·        (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِين )هود 27َ
·        (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) ابراهيم 10-11
·        (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) المؤمنون 33 وغيرها من الايات....
 ولا يشذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك فيقول القران -على لسانه – (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف 110
فبشرية الرسل امر مؤكد كل هذا يقودنا إلى ان هؤلاء البشر الذين تم اصطفائهم من قبل الله عزوجل ليكونوا رسلا لأقوامهم ليكون ارتباطهم بأقوامهم في امور (الرسالة ) لا في امور ( البشرية) حتى لا تكون الرسالات مجرد علاقات تعلق بأشخاص الرسل لا بما جاءوا به من ديانات ؟!!!

القران يعالج

شخصية النبي (ص) يجب ان نقرر بشريتها إلى جانب كونه عليه الصلاة والسلام نبيا مرسلا من عند الله فلا انفصال بين الاثنتين ؟!
فلو اسقطنا البشرية نكن قد اسقطنا جانبا من عظمتها فكون النبي (بشر) وصل إلى هذه المرتبة من العظمة هذه احدى معجزاته ومن ناحية ثانية موضوع (القدوة) او ( الاسوة) المراد بها للناس كيف سيقتدون لو لم تكن الشخصية (بشرية ) يجري عليها ما يجري على البشر ؟ وضمن ما يستطيع البشر الاقتداء به ؟
اما اسقاط نبوة هذه الشخصية مع اثبات البشرية فهو امر لا يصح جملة وتفصيلا ولانتفى امر الاسلام تماما..
وفي ايات صريحة يتناول القران الكريم بشرية النبي (ص) في موقف غزوة احد حيث يقول (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ال عمران 144
لاحظ في الايات ذكر اسم انبي المجرد من أي ميزات نبوة او رسالة هكذا (محمد) كأنه يقول محمد البشر الذي يجري عليه ما يجري على البشر من حياة او موت او هزيمة او نصر ..والايات نزلت ابان غزوة احد لما اشيع ان الرسول قد قُتل فانكسرت الروح المعنوية لدى المسلمين فانهزموا في احد لكن القران عاتبهم لأنهم مرتبطون بالرسالة وليس بشخصية محمد البشرية المجردة سواء عاشت او ماتت ...
ونلاحظ ان مواضع ذكر اسم (محمد) في القران الكريم الاربع كلها تؤكد على بشرية هذه الشخصية وكونها موحى اليها النبوة او الرسالة واقرأ معي – إلى جانب الآية السابقة الذكر - قوله تعالى :-
·        (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) الاحزاب 40
·        (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ)محمد2
·        (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) الفتح 29

كل هذا يدل على بشرية هذه الشخصية أولا ونبوتها ثانيا لان العقل والمنطق يقول كذلك فشخصيات الانبياء  بدأت بشرية ثم تم الايحاء اليهم بالنبوة والرسالة بعد ذلك فهم في الاساس بشر .
والقران يقرر ذلك في قوله تعالى (وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا) الاسراء 94-95
فالمحاولات لنفي بشرية الانبياء او رفعهم فوق مستوى البشر -  في امور بشرية –ليست صحيحة وتسيء للنبيين – عليهم السلام – اكثر مما نظنها انها تُحسن اليهم ؟!

العصمة النبوية

يقودنا هذا الحديث إلى موضوع عصمة الانبياء فيلوح سؤال ما المقصود من عصمة الانبياء ؟ وهل هم معصومون في كل شيء ؟
تُعرّف عصمة الانبياء انها " حفظ الله عز وجل للأنبياء بواطنهم وظواهرهم من التلبس بمنهى عنه، ولو نهى كراهة ولو فى حال الصغر مع بقاء الاختيار تحقيقاً للابتلاء"(1).
اما انهم معصومون في كل شيء فكما اوضحنا مسبقا ان الانبياء - عليهم السلام – لهم جزءان رسالة وبشرية فاما الرسالة فلا مجال للخطأ فيها لوجود وحي يثبتهم فلا يخطئون ولا يحق لهم الخطأ في ذلك لأن امور الرسالة هي تشريع للناس فهنا تكمن العصمة ..
اما جزء البشرية فوارد الخطأ فيه ولا يعيب ذلك الرسول او النبي فيما لا يختص بأمور الرسالة فهاهو النبي (ص) يقرر ذلك فيقول ( انما انا بشر وما قلت لكم : قال الله فما كان من امر دينكم فإلي وما كان من امر دنياكم فشأنكم به انتم اعلم بأمر دنياكم )(2) ويقول في موضع آخر ( انما انا بشر اذا امرتكم بشيء من دينكم فخذوا به واذا امرتكم بشيء من رأي فانما انا بشر )(3) فترى المسلمون الاوائل عندما يشير عليهم الرسول امرا " كانوا يسألون الرسول عن قوله في كثير من المواطن ذلك السؤال الشهير : يا رسول الله أ هو الوحي ؟ أم الرأي ؟ فإذا جاء جواب الرسول ان ما قال هو الوحي كان موقفهم الطاعة والتنفيذ واسلام الوجه لله لانه دين اما اذا قال لهم ان ما قال ليس وحيا بل هو الرأي الذي ارتآه فإنهم عندئذ يدلون بما لديهم من أراء واجتهادات دون ان يكون (لرأي ) الرسول عليه الصلاة والسلام تلك القدسية الدينية التي تسبب الحرج لاصحاب الرأي والاجتهاد "(4)
ولنا شواهد في السيرة النبوية كثيرة منها – على سبيل المثال – ماحدث في غزوة بدر لما" تحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكرى وقال : يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ؟ أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : ( بل هو الرأي والحرب والمكيدة ) .
قال : يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم ـ قريش ـ فننزله ونغوّر ـ أي نُخَرِّب ـ ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لقد أشرت بالرأي ) ."(5)
 وغيرها الكثير كحادثة تأبير النخل ولا بأس من ايراد القصة " حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا عبد الرزاق أنبأنا إسرائيل عن سماك انه سمع موسى بن طلحة يحدث عن أبيه قال : مررت مع النبي صلى الله عليه و سلم في نخل المدينة فرأى أقواما في رؤوس النخل يلقحون النخل فقال ما يصنع هؤلاء قال يأخذون من الذكر فيحطون في الأنثى يلقحون به فقال ما أظن ذلك يغنى شيئا فبلغهم فتركوه ونزلوا عنها فلم تحمل تلك السنة شيئا فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فقال إنما هو ظن ظننته ان كان يغنى شيئا فاصنعوا فإنما أنا بشر مثلكم والظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله عز و جل فلن أكذب على الله "(6)
 وأني لاستغرب من كتّاب حاولوا اخراج قصة تأبير النخل مخرجا ملتفا لنفي الخطأ والنسيان عن النبي (ص) متناسين ان ذلك في مجال البشرية وليس في مجال الرسالة والنبوة بحجة العصمة النبوية فالعصمة لا تنفي بشرية الرسول بكل معانيها الا فيما اثبته الرسول عليه السلام لنفسه باحاديث مشهورة مثل انه يجوز له الوصال في الصيام لان الله يطعمه ويسقيه او انه تنام عينه ولا ينام قلبه وغيرها مما اخبر بها النبي نفسه فهنا لا مجال للبشرية في التحكم ويدخل ذلك من باب كرامة الله له عليه السلام او من باب معجزاته ..
والله اعلم
الهوامش :
1/ شرح الخريدة مع حاشية الصاوى للدردير ص104 بتصرف، وينظر : إتحاف المريد شرح جوهرة التوحيد بهامش حاشية محمد الأمير على جوهرة التوحيد ص114 .
2/ مسند احمد بن حنبل حديث رقم 12566
 3/ صحيح مسلم حديث رقم 6276
4/ الدولة الاسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية د/ محمد عمارة ، ط1 ص 70
5/ الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري ، ط1 ص 191
6/ مسند احمد بن حنبل حديث رقم 1399


    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015