»نشرت فى : الأحد، 1 مايو 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

إسرئيليات التفسير.. إلى متى؟

تمتلئ تفاسيرنا القديمة والحديثة بالكثير من القصص المنسوبة لأهل الذكر والتي اصطلح على تسميتها بالإسرائيليات سواء من التراث اليهودي أو المسيحي على حد سواء..
وكان مدخل هذه الروايات هم المفسرون الأوائل ولا سيما الصحابة من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام كعبد الله بن سلام وكعب الأحبار وغيرهما.. وإذا كان سند المفسرين في حشو تفاسيرهم بهذه الروايات هو أحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» حول الإجازة التحدث عن بني إسرائيل حيث يقول: ( حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ) وقوله: ( لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم ) فهل في هذا النقل عن أحاديث أهل الكتاب عن أنبيائهم المذكورين في القرآن خصوصاً؟.
الحقيقة إن أشهر صحابي في التفسير وهو عبد الله بن عباس ( ترجمان القرآن ) قد أبدى استغرابه من الاعتماد على أخبار أهل الكتاب ـ ولو أجاز ذلك النبي «صلى الله عليه وسلم» فقال: «يا معشر المسلمين كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل الله على نبيه أحدث أخبارا لله تعرفونه غضا محضاً لم يشب قد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا كتاب الله وغيروه وكتبوا بأيديهم الكتاب وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمناً أفلا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسائلهم ولا والله ما رأينا منهم أحداً قط سألكم عن الذي أنزل إليكم؟».
بمثل هذه المنهجية يوضح ابن عباس خطأ الأخذ عن أهل الكتاب فلم لا يكذبون علينا وقد كذبوا على أنبيائهم أنفسهم؟ بل وسفكوا دماءهم؟ ويطرح كذلك تساؤلاً ذكياً لماذا لم نرَ رجلاً منهم يسأل المسلمين عن الذي انزل إليهم ما دام الامر متعلقاً بقصص رسل بني إسرائيل خاصة؟.
ألا يمثل هذا الزخم الهائل من المرويات الإسرئيلية في كتب التفسير المتداولة بين أيدينا خطراً على ثقافتنا الإسلامية خصوصاً أننا توارثنا تلك الروايات كابرا عن كابر بلا منقح ولا ناظر فيها بل جزءا لا يتجزأ عن منظومة التفسير لدينا؟!
أليس الأولى مناقشة تلك الروايات وحذف الرديء منها واللامعقول بل والمتنافي مع طبيعة الرسل والأنبياء المعصومين؟ أم أنه التهيب من مس تراثنا المقدس بأي خدش وتجميد عقولنا عند ذاك التراث؟!!
ألا ندرك أن التفسير ما هو إلا فهم لرجال التفسير للآيات واجتهاد بشري لا يصل إلى درجة القداسة ـ ما عدا ما روي من أحاديث النبي «صلى الله عليه وسلم» في التفسير وهي على العموم قليلة ـ أما ما سوى ذلك فقابل للمناقشة والأخذ والرد والترك والطرح أيضاً وخصوصاً الإسرائيليات ومن أراد أن يعرف عميق ( خزعبلات ) تلك الروايات في تفاسيرنا فليقرأ كتاب قصص الأنبياء المسمى بالعرائس للثعالبي ليرى أنبياء الله الكرام كلوط ونوح وداود وسليمان عليهم السلام جميعاً وهم يتصرفون تصرفات ـ كما تذكر تلك الروايات ـ لا تليق بمؤمنين عاديين فما بالك بأنبياء معصومين..
وقد أحسن ابن كثير هو يناقش بعضاً من تلك الروايات موضحاً بطلانها وذلك لأن ابن كثير رجل تاريخ من الطراز الأول ويشهد له بذلك كتابه القيم «البداية والنهاية»، ومن مناقشاته في كتابه قصص الأنبياء في قصة نوح في معرض شرحه لقوله تعالى ( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) والمقصود أن الله لم يبق من الكافرين ديارا فكيف يزعم بعض المفسرين أن عوج بن عنق ـ ويقال ابن عناق ـ كان موجوداً من قبل نوح إلى زمان موسى.
ويقولون كان كافراً متمرداً جباراً عنيداً ويقولون كان لغير رشده، بل ولدته أمه بنت آدم من زنا، وأنه كان يأخذ من طوله السمك من قرار البحار ويشويه في عين الشمس، وأنه كان يقول لنوح وهو في السفينة: ما هذه القصعة التي لك ؟ ويستهزىء به ويذكرون أنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعا وثلثا إلى غير ذلك من الهذيانات التي لولا أنها مسيطرة في كثير من كتب التفاسير وغيرها من التواريخ وأيام الناس، لما تعرضنا لحكايتها، لسقاطتها وركاكتها ثم إنها مخالفة للمعقول والمنقول.
أما المعقول: فكيف يسوغ فيه أن يهلك الله ولد نوح لكفره، وأبوه نبي الأمة وزعيم أهل الإيمان، ولا يهلك عوج بن عنق ـ ويقال عناق ـ وهو أظلم وأطغى على ما ذكروا؟
وكيف لا يرحم الله منهم أحدا ولا أم الصبي ولا الصبي، ويترك هذا الدعي الجبار العنيد الفاجر، الشديد الكافر، الشيطان المريد على ما ذكروا؟
وأما المنقول فقد قال الله تعالى : «ثم أغرقنا الآخرين» وقال: «رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا».
ثم هذا الطول الذي ذكروه مخالف لما في الصحيحين عن النبي «صلى الله عليه وسلم» أنه قال: “ إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا، ثم لو يزل الخلق ينقص حتى الآن”.
فهذا نص الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى «إن هو إلا وحي يوحى» إنه لم يزل الخلق ينقص حتى الآن، أي لم يزل الناس في نقصان في طولهم من آدم إلى يوم إخباره بذلك وهلم جرا إلى يوم القيامة، وهذا يقتضي أنه لم يوجد من ذرية آدم من كان أطول منه.
فكيف يترك هذا ويذهل عنه، ويصار إلى أقوال الكذبة الكفرة من أهل الكتاب، الذين بدلوا كتب الله المنزلة وحرفوها وأوّلوها ووضعوها على غير مواضعها؟ فما ظنك بما هم يستقلون بنقله أو يؤتمنون عليه ( وهم الخونة والكذبة عليهم لعائن الله التابعة إلى يوم القيامة ) وما أظن أن هذا الخبر عن عوج بن عناق إلا اختلاقاً من بعض زنادقتهم وفجارهم الذين كانوا أعداء الأنبياء.
بل إن الوضع قد تسرب إلى بعض القصص في السيرة النبوية المطهرة والمتعلقة بالقرآن الكريم وخير مثال على ذلك ما تناقلته كتب التفاسير حول قصة الغرانيق المذكورة في تفسير قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) النجم 19 ـ 20 مما يحدث أمراً خطيراً يهدد الرسالة المحمدية كلها وقد أحسن الشيخ الالباني رحمه الله تعالى في كتابه«نصب المجانيق على قصة الغرانيق» المزعومة وإبطال سندها ومتنها من كل جهة..
ألم يحن الوقت لمراجعة مثل هذه الروايات بأسلوب علمي دقيق لأخذ السليم ورد السقيم منها؟ ولو تداولته كل كتب التفسير؟!
فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015