»نشرت فى : السبت، 28 مايو 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

النسبية والكون

..في نوفمبر 1919 أصبح ألبرت آينشتاين- وهو في الأربعين من العمر - مشهورا بين ليلة وضحاها بسبب كسوف شمس. أكدت التجربة بأن أشعة الضوء من النجوم البعيدة حرفت بجاذبية الشمس بالقيمة تماما التي توقعها في نظريته عن الجاذبية - النسبية العامة. كانت النسبية العامة النظرية الجديدة الرئيسية الأولى للجاذبية منذ نظرية إسحاق نيوتن من قبل أكثر من 250 سنة.

آينشتاين أصبح محط الأنظار وبدأ بناء الأسطورة. ظهرت العناوين البارزة في الصحف في جميع أنحاء العالم. في 8 نوفمبر 1919م- على سبيل المثال- التايمز اللندنية كان لها مقالة تحت عنوان: “ثورة في العلم / آينشتاين مقابل نيوتن.” بعد يومين عناوين النيويورك تايمز البارزة تقول: “يضيء كل انحراف في السماوات / رجال العلم تقريبا متلهفون لنتائج مشاهدات الكسوف / نظرية آينشتاين تنتصر.” فرغ العالم من الحرب العالمية الأولى ومشتاق لبعض إشارة من بشر نبلاء وفجأة هنا كان عبقرياً علمياً متواضعاً مهتماً على ما يبدو فقط في المساعي الثقافية الخاصة.

جوهر الجاذبية

ما هي النسبية العامة؟ نظرية آينشتاين السابقة عن الزمن والمكان- النسبية الخاصة - اقترحت بأن الزمن والمكان ليسا مطلقين. تعتمد سرعة مؤشر الساعة على حركة مراقب تلك الساعة؛ بشكل مماثل لطول “عمود الياردة” نُشرت في 1915 النسبية العامة التي اقترحت بأن الجاذبية- بالإضافة إلى الحركة- يمكن أن تؤثر على فترات الزمن و المكان. إن الفكرة الرئيسية للنسبية العامة - والمسماة مبدأ التكافؤ- تلك ان سحب الجاذبية في اتجاه مكافئ جدا إلى التعجيل في الاتجاه المعاكس. وأي سيارة متسارعة إلى الأمام تشعر ان الجاذبية تدفعك إلى الخلف ضد كرسيك ، فمصعد يتسارع إلى الأعلى تشعر ان الجاذبية هي التي تدفعك إلى الأرضية.
إذاً الجاذبية مكافئة للتعجيل وإذاً الحركة تؤثر على مقاييس الزمن والمكان (كما هو معروض في النسبية الخاصة) إذن يترتب على ذلك ان تعمل الجاذبية ذلك أيضا. بشكل خاص جاذبية أي كتلة مثل شمسنا لها تأثير يشوه الفضاء والزمن حولها. على سبيل المثال زوايا مثلث لن تبلغ 180 درجة ودقات الساعات تبطئ أكثر بالاقتراب من كتلة جذبية مثل الشمس.
اُكدت العديد من تنبؤات النسبية العامة مثل انحناء ضوء النجوم بالجاذبية وتغيير طفيف جدا في مدار كوكب عطارد بشكل كمي بالتجربة. اثنتان من التنبؤات الأغرب مستحيلة أبدا للتأكد منها بشكل كامل وهي وجود الثقوب السوداء وتأثير الجاذبية على الكون ككل .

النجوم المنهارة

الثقب الأسود black hole هو منطقة من الفضاء الذي قوة جاذبيته الساحبة حادة جدا بحيث لا مادة ولا ضوء أو تواصل من أي نوع يمكن أن يهرب. يبدو الثقب الأسود هكذا اسود من الخارج. (ومع ذلك الغاز حول الثقب الأسود يمكن أن يكون لامعاً جدا. ) يعتقد بأن الثقوب السوداء تشكلت من انهيار النجوم. طالما هي تبعث الحرارة والضوء إلى الفضاء فالنجوم قادرة على دعم نفسها ضد جاذبيتها الداخلية بالضغط الخارجي المتولد بالحرارة من التفاعلات النووية في بواطنها العميقة.. يجب أن يستنزف كل نجم وقوده النووي في النهاية. عندما يعمل ذلك قوة سحب جاذبيته الذاتية غير المتوازنة تسبب انهياره. طبقا للنظرية إذا احترق نجم له كتلة أكبر من حوالي ثلاث مرات من كتلة شمسنا فكمية الضغط الإضافي لا يمكن أن تتفادى انهيار جذبي كلي، فينهار النجم لتشكيل ثقب اسود. يتناسب حجم الثقب الاسود الناتج مع كتلة النجم الأصلي؛ فثقب اسود كتلته ثلاثة أضعاف كتلة شمسنا فإن قطره حوالي 10 أميال.
إن احتمالية أن النجوم يمكن أن تنهار لتشكيل الثقوب السوداء كان “مكتشف” أولا نظريا في عام 1939 من قبل جي . روبرت اوبنهايمر وهارتلند سايندر الذي كانا يعالجان معادلات نسبية آينشتاين العامة. يعتقد ان الثقب الأسود الأول اكتشف في العالم الطبيعي مقابل العالم الرياضي على الورق كان Cygnus X-1 على بعد 7000 سنة ضوئية من الأرض. (السنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة حوالي ستة تريليون ميل. ) Cygnus X-1 وجد في 1970. منذ ذلك الحين ميزت عشرات الثقوب السوداء المرشحة الممتازة. يعتقد العديد من الفلكيين والفيزيائيين الفلكيين بأن الثقوب السوداء الضخمة- ذات أحجام بحدود 10 ملايين مرة قدر شمسنا- توجد في مراكز المجرات النشطة والكوازرات(أشباه النجوم ولكنها تشع ضوءاً بشكل براق) وهي المسئولة عن إطلاق طاقتها الهائلة .من سخرية القدر آينشتاين بنفسه لم يؤمن بوجود الثقوب السوداء بالرغم من أنهم توقعوا ذلك باستخدام نظريته.

بداية كل شيء

في بداية عام 1917م طبق آينشتاين وآخرون النسبية العامة على تركيب وتطور الكون ككل. النظرية الكونية البارزة المسماة نظرية الانفجار العظيم صاغها في عام1922م عالم الرياضيات والأرصاد الروسي ألكسندر فريدمان. حيث بدأ بمعادلات آينشتاين للنسبية العامة ووجد في حل تلك المعادلات ان الكون بدأ في حالة من الكثافة ودرجة الحرارة العالية جدا (ما تسمى بالانفجار العظيمBig Bang ) وبعد ذلك توسع بمرور الوقت ثم خف وبرد .
 إحدى أكثر النجاحات المذهلة لنظرية الانفجار العظيم التنبؤ ان عمر الكون هو10 بلايين سنة تقريبا وهي نتيجة متحصله من نسبة تباعد المجرات البعيدة عن بعضها البعض. هذا التنبؤ يتوافق مع عمر الكون المتحصل عليه من الطرق المحلية نفسها مثل تأريخ الصخور المشعة على الأرض.
طبقا لنظرية الانفجار العظيم الكون قد يستمر بالتوسع إلى الأبد إذا جاذبيته الداخلية ليست قوية بما فيه الكفاية لموازنة الحركة الخارجية للمجرات أو هو قد يصل إلى نقطة قصوى من التوسع وبعد ذلك يبدأ بالانهيار بتزايد أكثف و أكثف تدريجيا فيمزق المجرات والنجوم والكواكب والناس وفي نهاية المطاف يمزق حتى الذرات المفردة . هذان المصيران اللذان ينتظران كوننا يمكن أن يُقررا بقياس كثافة المادة المعاكسة لمعدل التوسع. معظم علم الكون الحديث- بما في ذلك بناء المناظير الجديدة العملاقة مثل منظار Keck الجديد في هاواي- كان محاولة لقياس هذين العددين بشكل أفضل وأكثر دقة. وبالدقة الحالية للقياس فالأعداد تقترح بأن كوننا سيستمر بالتوسع إلى الأبد بتزايد أبرد وأبرد وأكثر تباعدا.
النسبية العامة قد تكون القفزة الأكبر للخيال العلمي في التأريخ. على خلاف العديد من التطورات العلمية الهامة السابقة مثل مبدأ الانتقاء الطبيعي أو اكتشاف الوجود الطبيعي للذرات ، النسبية العامة كان عندها أسس قليلة بناء على نظريات أو تجارب عن الزمن. لا أحد - ماعدا آينشتاين - كان يعتبر الجاذبية مكافئة للتعجيل و ظاهرة هندسية تقوم بحني الزمن والمكان. بالرغم من ان ذلك مستحيل معرفته فالعديد من الفيزيائيين يعتقدون بأنه بدون آينشتاين كان يمكن أن تكون بضعة عقود أخرى أو أكثر قبل أن ينجح فيزيائي آخر في مفاهيم ورياضيات النسبية العامة.


***
ملاحظة :

نشر هذا المقال في صحيفة الجمهورية (اليمنية) بتاريخ 25مايو2011م 

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015