»نشرت فى : الأحد، 16 أكتوبر 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

تديّن دار العجزة

.. عندما ظهر الإسلام في مكة المكرمة في القرن السابع الميلادي كان أكثر الذين آمن به هم ضعاف القوم من قريش من العبيد والإماء إلى جانب العقلاء من أكابر القوم .
فكان إيمان هؤلاء الضعفاء هو الشماعة التي علّق عليها الجهلاء من أكابر قريش عذرهم عن عدم الدخول في الدين الإسلامي حتى لا يتساوون مع عبيدهم وإمائهم، لكن الإسلام لم يلتفت إلى هذا العذر الواهي الذي حاول الجهلة به التملّص من الدخول في الإسلام أصلا لكن الملمح هنا ان طغاة القوم استغلوا ضعف المسلمين لوأد الإسلام بإنزال العذاب بضعفائهم – كما نعلم جميعا من السيرة النبوية – فكانت الهجرة الأولى والثانية إلى الحبشة هي المتنفس الذي هرب به الضعفاء من العذاب واستمر الأمر كذلك حتى قويت شوكة المسلمين –وبالتالي الإسلام- بعد ذلك وصارت لهم دولة وصولة وكان ما كان.

أسوق هذا الكلام في معرض حديثي عن صنف من المتدينين الذين دخلوا معترك الحياة أولا دون تدين يُذكر حتى لما سُدت في وجوههم سبل الحياة كأن فشلوا في دراستهم او لم يحصلوا على وظيفة او أي سبب ادى بهم إلى الفشل في بناء حياة طبيعية ،فلما كان ذلك لبسوا عمامة الدين وأصبحوا في ليلة وضحاها من المتدينين الذين يُشار إليهم بالبنان ..
أقول التدين ليس ملكا ولا صكا يمنحه احد – غير رب العالمين سبحانه- حتى احظر أنا أو غيري ان يصبح فرد ما ملتزما بتعاليم دينه بل العكس ان هذا مما يثلج الصدر.
لكني أرى هذه النوعية من المتدينين الجدد جعلوا الدين هو خط الرجعة الأخير لمّا فشلوا في الحياة العامة وكأنما الدين في نظرهم – والله أعلم – هو الحل النهائي للحياة الكريمة .
الدين هو سبيل الحياة الكريمة ولا شك لكنه ليس ( سلة مهملات) يلجأ إليه الفاشلون في حياتهم العامة ليداروا فشلهم ؟!
أنا لست ضد التزامهم – ولو فشلوا – لكني ضد جعلهم التدين تغييبا وهروبا لهم من معركة الحياة العامة.
فالإسلام لا يحتاج إلى العاطلين عن العطاء ولا المتكاسلين عن أداء دورهم ولا الهاربين من معركة الحياة.
كيف للإسلام ان ينتشر ويسود والذين يحملون أمانته فيهم من هذا الصنف الفار من فشله إلى التدين؟!
دين أم دار عجزه؟
في الغرب إذا ما فشل بعضهم فإن لديه خيارين – على حسب وازعه الديني او الأخلاقي- إما الانتحار – في حالة عدم وجود ما يؤمن به – أو الهروب إلى الرهبنة ودخول الدير ..
فهل هذا الصنف من الفارين من الحياة موجود لدينا ؟
هؤلاء الذين حولوا الدين من محطة لبناء الرجال المقبلين على الحياة الذين سيحملون دينهم للعالمين إلى دار عجزة يلجأ إليها كل من أراد إخفاء فشله وتكاسله في معركة الحياة.
 كيف سيخوض الإسلام معركته في الحياة المتصارعة بجنود أصلا فارين من معاركهم الشخصية ؟. كيف سيحمل أمانة هذا الدين أناس لم يستطيعوا حمل أماناتهم الفردية ؟
ان من يتخاذل في الارتقاء بنفسه لن تأتيه الهمة والعزيمة للارتقاء بدين يبلغه للعالمين ؟
والذي زاد الطين بلة هو ذلك الخطاب الديني الذي وافق خور هؤلاء بدعوته إلى الزهد في الحياة الدنيا وان الآخرة هي الأهم ولا سواها والدنيا ظل زائل مستدلا بأحاديث للنبي (ص) داعية إلى الزهد في الدنيا..
أقول: لا غبار على أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام لكن الغبار كل الغبار على فهمنا السقيم الذي حوّل مدلول الأوامر النبوية من معناها التربوي إلى معناها التخاذلي وافقت هوى زمرة من الخاملين ؟!!
فما الزهد الذي نادى به النبي الكريم الا زهد القادر لا زهد العاجز المستكين بل انه عليه الصلاة والسلام نفسه كان زاهدا وقد عُرضت عليه جبال مكة ذهبا ..
ومن ناحية أخرى بماذا سنبني الآخرة المنشودة؟ أليس بأعمالنا الصالحة في الدنيا؟
ان الإنسان هو خليفة على الأرض خوّله الله هذه الخلافة ليعمر الأرض فالزهد لا يعني عدم امتلاك مقومات الحياة الدنيوية الكريمة التي تجعل المسلم قويا عزيزا في كل أحواله وصدق النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه القائل “ الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شيء فَلاَ تَقُلْ لوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَل فَإِنَّ لوْ تَفْتَحُ عَمَل الشَّيْطَانِ”
فلماذا اخذ هؤلاء عبارة “ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ “ ولم يأخذوا بمجمل الحديث؟!
اترك الجواب لكم ...

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015