»نشرت فى : الأحد، 16 أكتوبر 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

تديُّن من طراز هذا الزمان

ماهو الدين؟
قد يبدو السؤال ساذجاً وبسيطاً لكنه جوهر الحياة لو أمعنا في السؤال فنحن قد أعطينا قيادنا للدين منذ البداية لكي يسطر خطوط حياتنا التي نعيشها ويخبرنا بمآل آخرتنا وماخفي علينا من الغيوب التي لايستطيع العقل بأي حال من الأحوال إدراكها ومع ذلك لم نسأل أنفسنا هذا السؤال: ماهو الدين؟
تخبرنا كتب اللغة أن لفظة الدين جاءت من الطاعة والجزاء واستعيرت للملة فنقول: فلان مدين لفلان، أي منقاد له ومطيع وقوله عليه السلام(أريد من قريش كلمة تدين لهم بها العرب) أي تطيعهم وتخضع لهم وكل ماخضعت له واستسلمت فقد دنت له.
البداية من الفطرة
إن المحرك الأول الذي هزنا من الداخل في بداية النشأة هو الفطرة المنبعثة من ديننا الذي لم نسميه بعد.. أقول: فطرتنا النقية التي لم تشبها شائبة هي ديننا غير المسمى لأن مانسميه بعد ذلك على وجه الحياة الاسلام – على سبيل المثال – ماهو إلا تصديق لتلك الفطرة النقية التي نشأت معنا أو بعبارة أخرى هو الاسم الرسمي لتلك الفطرة النقية مصداقاً لقوله تعالى (فأقم وجهك للدين حنيفاً فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون) (الروم:30) فإذا انحرف مسمى ديننا أو سلوك ديننا الذي نسميه أو نتمسك به عن فطرتنا النقية تحت تأثير أي سلوك أو تصرف نكون قد خرجنا عن جادة الصواب وهو لاينحرف أبداً لأن الدين يجب أن يكون خالصاً لله لكننا نحن الذي نحرفه عن مساره تحت مطامع أهوائنا الجمة التي جعلت من كل واحد منا غولاً في شكل إنسان.
ومسايرة الأهواء تصنع من عدم التطابق بين الدين الحق والفطرة السليمة فجوة رهيبة تجعل تصرفنا الديني ماهو إلا سلوك ظاهري لايمثل الدين بأي حال من الأحوال.
أقول هذا الكلام لما نشاهده اليوم في زماننا من الانفصام الحاصل مابين سلوكياتنا الحياتية المتردية وبين ما نردده من مسميات الدين فكم نردد عبارة (الله أكبر) في صلواتنا وحياتنا المعتادة لكنه ترديد ببغائي لأن واقع الحال يكذب ذلك دون أن يمس المعنى القدسي لتلك العبارة.. فهل الله أكبر في نفوسنا ؟
أقول: نعم ، لكن تصرفاتنا تقول صارخة: لا ؟
لدينا النفس أكبر
الشهوة أكبر
الجاه أكبر
المال أكبر
وكل شيء – ما خلا الله – أكبر والعياذ بالله ..
فأين تصديق هذه العبارة في سلوكياتنا وتصرفاتنا؟
إن تمييعنا لمدلول هذه العبارة جعل الدين دينين، دين على أوراق مصاحفنا وكتب الحديث الشريف ومواعظ الخطباء يدعو إلى الفضيلة والمثالية المطلقة وهو دين الفطرة السليمة الناشئة معنا وهو عينه ما أمر الله به.
ودين أهوائنا التي تسيرنا وننقاد لها (لذا سٌميت دين) وهو مخالف للدين الحق الذي أمر به رب العزة ونحن نحاول جاهدين تطويع دين الله الحق ليوافق هذا الدين النابع من أهوائنا تحت وهم من تأويل واجتهاد خاطئين يقومان بلي أعناق النصوص المقدسة بين أيديدنا لمقتضى أهوائنا، مع أن المفروض هو العكس تماماً، إذ يجب أن تكون أهواؤنا – الذي سميناها دينا آنفا – مطابقة ومطواعة للدين الحق الذي أنزله الله على نبيه الكريم مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به).
فهل حققنا ذلك؟
طراز جديد
إذا كانت العلمانية هي فصل الدين عن الدولة وحصر الدين في زاوية المسجد بعيداً عن شئون الحياة فعلمانية بعض المتدينين اليوم جعلت من الدين أداءً لشعائر الدين التعبدية من صلاة وصيام وصدقة... إلخ دون أن يؤثر هذا الأداء في سلوك الفرد أو المجتمع.
فهو المصلى في الصف الأول لكنه المرتشي في وظيفته.
وهو الصائم القائم في رمضان لكنه الآكل لأموال اليتامى من أقربائه فهو المتناقض بين مظهره التديني وتصرفه الدنيوي، وأنا لا أعمم طبعاً لأن التعميم مرفوض عقلاً ونقلاً فهناك في كل زمان المتدينون الحقيقيون الذين لا تشوبهم شائبة، لكني أرصد ظاهرة موجودة اليوم في عالمنا الإسلامي ظاهرة الفصل بين سلوكيات التدين وسلوكيات الحياة.. ظاهرة يمارسها المسلمون – لا أدري بقصد أم بدون قصد – على اعتبار أن ذلك هو التدين.
فهل التدين هكذا ؟
أم أصبح التدين اليوم مجرد مظهر يصنعه الإنسان لنفسه ليفرض مكانته (الدينية) على الناس ؟!
أو لينال حظوة عند غيره لتميزه ؟؟
أم أن موروثنا الديني وصف لنا أن التدين هكذا؟
أم أنه تدين لكن من طراز القرن الحادي والعشرين؟..والله أعلم.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015