»نشرت فى : الثلاثاء، 27 ديسمبر 2011»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ماذا وراء نهاية التاريخ ؟

عرفنا مصطلح (نهاية التاريخ) من كتاب المفكر الأمريكي فرانسيس فوكاياما الذي صدر عام 1989م، حيث يرى أن نهاية التاريخ هي انتصار الليبرالية وتمكن النموذج الأمريكي، لكن المفكر المصري الراحل عبدالوهاب المسيري كان قد طرح فكرة نهاية التاريخ بنمط آخر في كتابه (نهاية التاريخ بنية الفكر الصهيوني) الذي صدر عام 1972م، حيث يرى أن نهاية التاريخ هي انتصار للفاشية فمنْ يعلن نهاية التاريخ يعلن نهاية التاريخ الإنساني وبداية التاريخ الطبيعي، أي يتحول الإنسان إلى كائن بيولوجي خاضع للحتميات المادية.
لكن الكاتب د.خالص جلبي يستهجن مصطلح نهاية التاريخ ويرد عليه بمقال تحت عنوان (نهاية الجغرافيا)، حيث يرى أن الجغرافيا هي التي في طريقها إلى النهاية في ظل ثورة التكنولوجيا والمعلوماتية الحديثة وأساليب التواصل العملاقة وليس التاريخ.
أرى أن لا نهاية للتاريخ فلن يسود فكر في نهاية المطاف، فالسنة الكونية أن الحضارات تبدأ ثم تسيطر ثم تضمحل فلا حضارة ظلت على مدى التاريخ لينتهي مطاف الناس عندها ولا يغادرون نموذجها، والقرآن الكريم يخبرنا أن الأيام دول «وتلك الأيام نداولها بين الناس» إلى جانب سنة التدافع في قوله تعالى: «وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ» البقرة:251، وسنة التدافع الكونية هي صمام الأمان لبقاء الحضارات ليس في تصارع لتتفوق واحدة بعينها على الأخريات، بل في (توازن) يحفظ للجميع بقاءه من الذوبان والتماهي في حضارة أخرى، بل الكل على الساحة كل بعطائه وتميزه فالكل في (منتدى حضارات) وليس (صراع حضارات) لينتهي التاريخ عند النموذج الغالب.
نهاية تاريخ اليمن
العالَم من حولنا يناضل للحفاظ على وجوده الحضاري وتميزه ونحن في اليمن نسمع (دعاوى) عدم الرغبة في وجود متخصصين لتدريس مادتي التاريخ والجغرافيا، تخيلوا شعباً بلا أدنى معرفة بالتاريخ ولا جغرافيا؟!
يعيش الإنسان ضمن بعدين واضحين له هما الزمان (والذي يمثله التاريخ) والمكان (والذي تمثله الجغرافيا)، وكلا البعدين في تلاحم عميق فلا تاريخ بلا جغرافيا يسير مجسداً عليها ولا جغرافيا بلا تاريخ يوثق جذور تلك البقعة، وكل العطاءات السياسية والاجتماعية، بل الجهد البشري كله يصب في هذين البعدين اللذين لا انفكاك عنهما؟!
إن شعباً بلا تاريخ كإنسان بلا ذاكرة، أما شعب بلا جغرافيا تحدد ملامحه فهو هلام لا حدود له فكيف بكلا الأمرين؟ ولا ننسى أن جهود توثيق التاريخ اليمني لا تزال متواضعة رغم ما بذله ويبذله المتخصصون في إبراز وثائقه ومخطوطاته وتدوين آثاره، الأمر الذي يتطلب مضاعفة تلك الجهود إلى أقصى حدود الطاقة لا وأدها بمثل هذه الدعاوى!
يمكننا أن نستورد مَنْ يعلّمنا الكيمياء أو الفيزياء أو استخدام التكنولوجيا الحديثة، لكن هل نطلب استيراد مَنْ يوثّق لنا جذورنا ويعيد ترتيب ذاكرتنا؟!
ولنذكر قول أمير الشعراء أحمد شوقي ـ رحمه الله:
 مثل القوم نسوا تاريخهم
كلقيط عيّ في الناس انتسابا
أو كمغلوب على ذاكرة
يشتكي من صلة الماضي انقضابا
فهل يريدون منا أن نكون لقطاء؟!

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015