»نشرت فى : الأربعاء، 12 سبتمبر 2012»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ما هو بوزون هيجز؟

.. في 4 يوليو الماضي تم الإعلان في المسرع الأوربي سيرن CERN عن التأكد بنسبة 99.999% من وجود بوزون هيجز فعلياً ، وتصدر هذا الإعلان العلمي نشرات الأخبار العالمية ومنها قنواتنا العربية، لكن القارئ العربي العادي غير المتابع أو المتخصص في الفيزياء ستبدو هذه الأخبار غريبة عنه..
فما هو بوزون هيجز هذا ؟ ولماذا يُعد التأكد من وجوده حدثا مهما في الفيزياء ؟ هذا ما أحاول شرحه هنا ، واطلب ابتداء من القارئ الكريم أن يكن صبورا على المصطلحات الغريبة التي سيقرؤها في هذا المقال..
 البداية من الذرات
.. نعرف أن المادة تتكون من وحدات أولية تسمى ذرات Atom التي تم سبر أغوارها خلال القرن الماضي ومعرفة أنها تتكون من نواة داخلها بروتونات موجبة ونيترونات بلا شحنة تدور حول هذه النواة الكترونات سالبة مما يشبه النظام الشمسي ، لكن هذا التصور عُدل كثيرا خلال القرن الماضي ..
وأضافت النظرية النسبية الخاصة لاينشتاين عام 1905م أن الطاقة والكتلة وجهان لعملة واحدة أي يمكن تحويل الكتلة إلى طاقة حسب معادلة اينشتاين الشهيرة الطاقة= الكتلة* مربع سرعة الضوء ،فكان ذلك إيذانا بفتح كبير داخل الذرة وأنه يمكن تحرير طاقة عظيمة مخزونة فيها ولكن أين هذه الطاقة؟
من معرفتنا بنموذج الذرة البسيط وكذلك أن الشحنات المتشابهة تتنافر، لماذا لا تتنافر البروتونات الموجبة الموضوعة متجاورة في نواة الذرة؟
لأن هناك قوة أطلق عليها اسم القوة النووية الشديدة (Strong nuclear) تقوم بربط البروتونات مع بعضها البعض متغلبة على قوة التنافر بينها وتظهر هذه القوة كطاقة عند الاندماج النووي، وكان هذا الأساس لصناعة القنابل النووية (الهيدروجينية) التي تم تفجيرها لأول مرة عام 1952م وعلى النقيض من ذلك فالطاقة المتحررة من فلق الذرة بالانشطار النووي تسمى القوة النووية الضعيفة (weak nuclear) ،وكان هذا الأساس لصناعة القنابل الذرية التي تم تفجيرها لأول مرة عام 1945م

عالـــم جـديــد
كانت جهود العلماء حثيثة لسبر أعماق الذرة أكثر فأكثر فاحتاجوا لتقنية تسمح لهم الولوج إلى عالم الذرة المتناهي الصفر فكانت تقنية المسرعات التي تقوم على تعجل (تسريع) جسيمات ذرية صغيرة (كالبروتونات مثلاً) وإكسابها طاقة عالية جداً ثم يسمح لها بالاصطدام بأهداف نووية وبعد الاصطدام يتم فحص النتائج لمعرفة أكبر لهذه الجسيمات...
فكانت أول المسرعات (accelerators) هو المسرع الخطي في عام 1928م ثم تلاحق تطور هذه المسرعات ففي عام 1967م كان المعجل (سلاك) ذو الطول 3كم الذي أكتشف جسيمات داخل البروتون وأخيرا المسرع الأوربي سيرن الموجود أسفل الحدود الفرنسية السويسرية الذي أجريت فيه هذه التجربة...
أدت هذه التقنية العالمية من المسرعات إلى اكتشاف جسيمات صغيرة داخل الذرة (صنفت إلى الآن أكثر من 300 جسيم دون ذري) فلم تعد أصغر لبنة في الذرة هي البروتونات والإلكترونات والنيترونات لكن وجد أن هذه الجسيمات الثلاث تتكون من جسيمات أخرى أصغر منها بل وظهرت عائلات كثيرة ومتعددة، فقد قسم العلماء هذه الجسيمات الأولية إلى :-
الفيرمونات (Fermions) وهي تشمل مكونات المادة ومنها مكونات (البروتونات/ النيترونات/الالكترونات) فعلى سبيل المثال البروتون يتكون من ثلاث جسيمات تسمى كواركات (Quarks) ، الكوارك جسيم يحمل شحنة كهربائية كسرية (أي جزء من الشحنة) لذا لا يوجد منفردا

البوزونات
عرفنا فيما سبق قوتين كونيتين هما القوى النووية الشديدة والقوى النووية الضعيفة وهما تعملان في نواه الذرة، وهناك قوتان آخريتان هما قوة الجاذبية المشهورة والتي تعمل على نطاق واسع في الكون (بين الكواكب والأجسام) ثم القوى الكهرومغناطيسية وهي التي تعمل مع الجسيمات المشحونة بأي شحنه كهربائية.
وهذه القوى تحتاج لجسيمات تقوم بنقل تأثيرها وهنا يأتي الفرع الآخر من الجسيمات الأولية وهي البوزونات (Bosons)...
فالقوى النووية الشديدة يحملها جسيم صغير يسمى الجليون (Gluon) وتؤثر على كوارك البروتونات أما القوى النووية الضعيفة فيحملها جسيم يسمى البوزون الضعيف (Weak Boson) وهي ثلاث أنواع (W+) موجب الشحنة و(W-) سالبة الشحنة و (Zo) متعادلة الشحنة وتؤثر على البروتونات والنيترونات بشكل خاص، وقوى الجاذبية يحملها جسيم يسمى الجرافيتون (Gravition) و آخر القوى هي القوة الكهرومغناطيسية ويحملها الفوتون (Photon) المسئول عن ربط الإلكترونات السالبة بالنواة الموجبة والأجسام المشحونة الأخرى.
اعتقد أني إلى هنا أجبت عن الجزء الأول بشأن البوزون تبقى هيجز لكي نعرف بوزون هيجز

من هو هيجز؟
في النموذج الفيزيائي القياسي يفترض العلماء أن القوى الكونية الأربعة كانت قوة واحدة مترابطة ثم  انفصلت عند الانفجار العظيم (لحظة خلق الكون)، وكانت قوة الجاذبية هي أول ما انفصل ثم تبعتها بقية القوى.

وكان وراء كسر هذا التماثل بين القوى الأساسية تكوّن هذا الجسيم المسمى بوزون هيجز Higgs boson نسبة إلى الفيزيائي الاسكتلندي "بيتر هيجز" الذي كان قد تنبأ عام 1964 بوجوده .
وبوجود جسيمات هيجز ينشأ مجال هيجز Higgs Field، وهذا المجال يعتبر غليظا بحيث تجد فيه الجسيمات مقاومة تحت تأثيره ويعمل هذا التأثير على ظهور ما نسميه كتلة الجسيم. فالإلكترون مثلا يلاقي في مجال هيجز مقاومة صغيرة فيكون له كتلة صغيرة أما جسيم آخر مثل البروتون فيجد - طبقا لنظرية هيجز - مقاومة أكبر في مجال هيجز فيظهر البروتون وله كتلة كبيرة.
والذي جرى في المسرع الأوربي سيرن هو استعمال معجل الهادرونات الكبير في تسريع بروتونات كل منهما بسرعة مقاربة لسرعة الضوء ثم تصويبهما ضد بعضهما رأسيا، ثم دراسة نتائج هذا الاصطدام الذي يماثل ظروف الانفجار العظيم على مستوى مصغر. وذلك لتمثيل ظروف اللحظة الزمنية من الثانية الأولى بعد الانفجار العظيم، والتي يُعتقد أن بوزونات هيجز تكونت عندها
وقد يتساءل احدنا لماذا هذا التعب المضني في دراسة هذه الجسيمات الدقيقة ،فيجيب العلماء إن دراسة تلك الجسيمات التي ظهرت عقب حدوث الانفجار العظيم مباشرة تساعدنا على فهم نشأة المادة ونشأة الكون.


***

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015