»نشرت فى : الجمعة، 20 مارس 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ذكرى قديمة

ذكرى قديمة طافت بذهني عن عزيز كان عندي ملء السمع والبصر!
لم يكن شخصا عاديا بالمرة، بل كان كائنا مفعما بحب الحياة؛
ابتسامته حياة،
مزحه حياة،
وحتى حزنه حياة!





ما أتفه الدنيا التي لا تنفك ترمينا في حبال غرائبها؛ فيرحل عنها الطيبون، ويتشبث بها الأشرار!
وكأن الموت (جواهرجي) لا يختار لنفسه إلا النادر والثمين من الدرر!
ألم يقل الشاعر ابن النبيه:
والموتُ نقادٌ على كفهِ... جواهرٌ يختارُ منها الجيادْ؟

تذكرت ذلك العزيز اليوم، ولا أدري ما الذي جلب طيفه إلى ذهني؟
الحقيقة إنه لم يغبْ عن جفونهِ شخصُهُ ساعةً ولا غاب حِسْي - كما يقول أحمد شوقي.
لم أنسه يوما من الدهر، وكيف لي أن أنساه وهو يحتلُ مني الحياة كلها؟!
منه تعلمتُ حُبَّ الحياة؛ تلك الحياة التي لم تمهله طويلا، وكأنه الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي الذي غنّى للحياة كثيرا، رغم أن الحياة لم تعطه إلا 25 ربيعا فقط قبل أن يذهب إلى دائرة الظلمات!

الشابي صاحب ديوان (أغاني الحياة)، وقصيدة (إرادة الحياة)، وقصيدة (نشيد الجبار)؛ لكن لم تشفع كل تلك الأناشيد الخالدة للشابي شيئا عند الحياة التي لا تلتفت لفرحنا أو حزننا.
وكذلك عزيزي الذي رحل قبل سنوات عن هذه الحياة.

رحل، لكن لا تزال بسمته ماثلة أمام عيني وكأنها اللحظة، لم أجد مثله ولا مشابها له ممنْ أعرف؛ إنه نسيج وَحْدِه.
لا يهم الأسماء ولا الأوصاف ولا الأماكن، أنا وحدي منْ عاش كل تلك الأحداث التي صارت ذكريات اختزنها طوال العمر.
أنا منْ أعرف الشخص الغريب، ومنْ عاشره زمنا طويلا، لذا افتقدته أنا - ربما لوحدي وكأنه أندلس الغياب عن العرب!
لا الوصف يدنيه من الخيال، ولا الذكرى تبعثه من الرمال.

لا أدري ما الذي دفعني لرقم هذه الكلمات هنا؟
أظنها خَلَجَات نفسٍ أردت أن أبوح بها في هذا اليوم الغائم؛ فالغيوم ذكرتني برحيله ذات يوم غائم، ومن بعدها لم تشرق الشمس؛ فهل حملها معه في غيابه الأبدي؟
حتى تمنيتُ كما قال المتنبي:
فليتَ طالعةَ الشمسينِ غائبةٌ ... وليت غائبةَ الشمسينِ لم تغبِ
وليتَ عينَ التي آب النهارُ بها ... فداءُ عينِ التي زالتْ ولم تؤبِ

لقد رحلت تلك العين الساحرة والناظرة، وبقيتُ في دوامة الدنيا أطرق أبواب الذكرى كلما هزني الشوق،
ولكن هيهات لنا لقاء بين عالمين متناقضين.

فالسلام على الراحلين الخالدين في قلوبنا أبد الدهر. 

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015