»نشرت فى : الأربعاء، 17 يونيو 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

في ذكرى عيد ميلاده*

                                                                             

*إلى صديقي في ذكرى ميلاده الرابع والعشرين


أضحت الكعكة التي يضعها الفيسبوك جوار الاسم في خانة الدردشة فاضحة أن اليوم ذكرى عيد ميلاد المُفِسْبِك، حتى لو كان التاريخ الذي دوّنه لميلاده خاطئا!

صديقي، ماذا أكتب لك في عيد ميلادك؟
لم أكتب من قبل لأحد في ذكرى عيد ميلاده، لأننا لا نُولي ذكرى الميلاد اهتماما ولولا (كعكة) الفيسبوك ما علمنا بذكرى ميلاد أحد منا!



دعنا نتساءل: ماذا يمثّل عيد ميلاد أي واحد منا لنفسه أولاً، ناهيك عن أصدقائه؟
لو تفحصنا الحياة لوجدناها سلسلة من (الميلادات) المتوالية؛ إذا اعتبرنا أن كل ميلاد هو بداية جديدة!
الكون نفسه بدأ ميلاده قبل 13,8 مليار سنة، بما يسميه علماء الفلك الانفجار العظيم Big Bang
فهل نقل للكون كل سنة عيد ميلاد؟
(لو صح الأمر؛ فكيف يحتفل الكون بذلك؟ هل يدعو الأكوان الأخرى لحفلة - مثلا؟!!!)

إن الميلاد يمثل نقطة البدء لدخولنا معترك الحياة ضمن هذه الحياة (الخاطفة) التي مُنِحْناها.
أقول خاطفة؛ لأن أعمارنا مقارنة بعمر الكون السالف الذكر لا تمثل إلا لمحة خاطفة أو ومضة عابرة لا أظن الكون نفسه يلتفت لها كما لا نلتفت نحن لثانية واحدة تمر من ساعات اليوم؛ هذا إن كان الكون يلتفت -أصلا- لأحد من مكوناته!

وتفكّر معي؛ ما قيمة 100 سنة – هذا بفرض أننا وصلنا لهذا العمر- من 13,8 مليار سنة؟

بل إنها أبسط من ذلك؛ يقول بيل بيراسون في كتابه (موجز تاريخ كل شيء تقريبًا):
"إن أطول حياة إنسانية تصل إلى 650,000 ساعة فقط"!

650 ألف ساعة هي ذخيرتنا التي نكبسها بكل مشاعر الإنسانية المتضاربة من حب وحنين وحزن وفرح واحباط وألم وغيظ ووو…إلخ!

صديقي:
أعترف أني شَغَلْتُك بحديث الأرقام في ذكرى عيد ميلادك، أعذرني فقد غلبت عليّ طبيعتي (العلمية)!

اليوم 17 من شهر يوليو؛ ذلك الشهر الذي قلتَ لي إنه الشهر الخاص بي؛ لأني تخرجتُ من الجامعة فيه، وتزوجتُ فيه، وجاءني أول أولادي فيه، وكأنني يوليوس قيصر الذي سُمي يوليو July أو جُولْيوس تكريما له، لأنه ولد فيه وهو من جعله 31 يوما، لكنه – أي الشهر- أقرب لك، فأنت من ولد فيه.

قبل 24 عاما أي في عام 1995م كان مولدك الميمون، أما أنا في ذلك التاريخ كنت أقطع الطريق من الفيزياء متجهًا للهندسة، لأنني حوّلت تخصصي من العلوم إلى الهندسة في تلك السنة، فأظن أنه ميلاد جديد لي!

إن الـ24 عاما التي انسلخت من عمرك لا أظنها راحت هباء وأنت بمثل ما عرفتك من الاطلاع والثقافة، بل إني أجدُك قد اكتسبت من المعارف خلالها أكثر ما اكتسبته أنا في نفس المدة!

صديقي:
مهما كانت أرقام الأعمار التي نحسبها؛ فإن قيمة العمر الحقيقية – من وجهة نظري- أنها بقدر ما عشناه من حياة حقيقية مفعمة بكل ما يتعلّق بالحياة من نشاط، لا مجرد عمر بيولوجي أو أركيولوجي مسجَّل!
وقد قلتُ ذات يوم:
عمري بأعمالي إذا هي اُتقنتْ ...وبلغتُ في العلياءِ خيرَ جنابِ
ما كان عمري بالسنينَ، فإنما ...هذا حسابُ الناس، ليس حسابي!

ولو كان ذكرى الميلاد مؤشرا للعمر الذي هو مادة الحياة، فما الحياة نفسها؟

لا أظن الحياة مجرد الانعتاق من الموت فقط، وقد عبّر محمود درويش عن ذلك:
"الحياة التي لا تُعرَّف إلا بضدِّ الموت…ليست حياة"!

بل الحياة هي العيش بكل دقائقها المتغيرة، بل والمتباينة حتى نستحق كلمة (حياة) لتلك اللمحة الخاطفة من عمر الكون.

أما حقيقة الحياة في ذاتها؛ فما هي إلا (صنم) لا يهمُّهُ فرحنا أو ترحنا، هي مجرد موظف بيروقراطي لا يهمُّهُ إلا إنهاء الدوام وتوقيع الانصراف!

ولو ذهبنا إلى محراب الدكتور أحمد خالد توفيق لوجدناه يشخّص الحياة بقوله:
"الحقيقة أنني لا أعتقد أن الحياة رفيقة بنا..
لا تعاملنا كزبائن في محل يجب إرضاؤهم...
إنها تعاملنا بقسوة، لكنها تقدم لنا ترضيات بسيطة من حين لآخر".

وما هذه الترضيات؟
هذه الترضيات هي الذرائع التي تبقينا متمسكين بهُدْبِ الحياة رغم مرارتها، كما يعبّر بقوله:
"نحن نبحث عن ذريعة لبقائنا.. هذه الذرائع هي التي تبقينا أحياء ساعة أخرى.. يومًا آخر.. عامًا آخر.. قد تكون هذه الذرائع طفلًا جميلًا أو قصة حب.. ربما تكون - في أقل صورة لها - كتابًا ننتظره في شغف".

فهل تكفي هذه الذرائع؟
لا أدري!

أخيرا:
يكفي أن نعيش الحياة حقيقةً أو كما قال درويش:
"نريدُ أن نحيا قليلا، لا لشيءٍ …
بل لنحترمَ القيامةَ بعد هذا الموت".

عيد ميلاد سعيد!

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015