»نشرت فى : الأربعاء، 1 يوليو 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

دفعة القرن

(1)

صورة قديمة منذ قرابة عقدين من الزمن (عام 2000م)
صورة التخرج.
واحدة من محطات الحياة التي لا تنسى؛ لحظة تخرجك من الجامعة الصغرى لتدخل الجامعة الكبرى، لذا لا غرابة أن تكون لفظة الجامعة بالإنجليزية university، لها شبه من لفظة الكون universe، وكأن الجامعة كون مُصغّر!




هذا أنا مع أصدقائي خريجي قسم الهندسة الميكانيكية جامعة الأنبار- العراق- لعام 1999-2000م
لقد سميناها دفعة (ملوك القرن)؛ على اعتبار أن عام 2000م هو بداية القرن الحادي والعشرين، وكان هذا خطأ تاريخي!
فعام 2000م كان تتمة القرن العشرين، ويبدأ القرن الحادي والعشرون مع تباشير صباح الأول من يناير/ كانون الثاني 2001م
خطأ وقع فيه الكثيرون، لا يهم
يكاد يكون الأمر مجرد اصطلاح!

اليوم الأول من شهر يوليو/ تموز 2020م
يكون قد مرت عشرون سنة كاملة على هذه الصورة، لكن ما قيمة السنوات؟!
يكاد يكون الزمن وهماً لا نحس بمروره إلا لو تأملنا التقاويم أو نتيجة الحائط كما تسمى!
(بالمناسبة هناك بحوث علمية حول وهم الزمن!)
يضحك آخري الشخصي قائلا: حس العلوم لديك حاضر حتى مع الذكريات!

(2)

عشرون عام تغير فيها الكثير، بما فيها أصحاب هذه الصورة العتيقة!
أين طوّحت بنا الأيام؟
لقد صرنا شذر مذر
منا منْ قضى نحبه ومنا منْ ينتظر!
ما علمته أن الدكتور عبد العظيم العاني (رابع واحد من جهة اليسار في الصف الأول) أستاذ مادة الميكانيكا ورئيس القسم، قد مات في غربته بليبيا، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وهناك من الدفعة منْ وجدته هنا على الفيس
وهناك منْ سمعت عن أخباره
وهناك ما لم أعرف عنه شيئا
من عجائب الدنيا أن يصير المرء مجرد (خبر) يتم تناقله، وينتهي هذا الضجيج الذي يحدثه في الحياة بثلاثة أحرف (مات)!

(3)

أين أنا في هذه الصورة؟
هذا أنا أول جالس في الصف الثاني من جهة اليمين، هل ترونه؟
ذلك الشاب الصغير الرأس، إنه المواطن من هذا البلد المسمى اليمن
مواطن بلا وطنْ كما يقول مولانا البردوني
كان هذا الشطر من الشعر مجازا، وها هو صار حقيقة سياسية متجسدة على الأرض
قلتُ: أرض، أي الأرض؟
أقصد على ما تبقّى من الأرض اليمنية المتشظية تحت الزلازل السياسية المتتابعة!
ما أقرب المسافة بين الحقيقة والمجاز في الواقع
هل كان العلّامة عبد القاهر الجرجاني – صاحب كتاب (دلائل الإعجاز) يدرك هذه المسافة الضئيلة؟!
 يحضرني بيت الشعر الطريف لأبي العلاء المعري:
لا تُقَيِّدْ عليّ لفظي، فإنّي…مثلُ غيري، تكلُّمي بالمجازِ

فهل تكلّم مولانا البردوني بالمجاز أيضاً؟!
يبدو أن حياتنا صارت مجازاً بكلها!

عودة للصورة:
ذلك كان موقعي – من الصورة وليس من المجاز - ومن حولي أصدقائي من العراقيين وأحدهم فلسطيني!
(آخر واقف من جهة اليسار في أعلى صف؛ إنه إسحاق يوسف الذي يذكرني بالمعلم نونو في رائعة نجيب محفوظ (خان الخليلي) وهو يقول: ملعون أبو الدنيا، لكن إسحاق كان يقولها بطريقة أخرى - بلهجته الفلسطينية: دنيا خراء!)
(أكرمكم الله)

(3)

ذكرتني عبارة عشرين عاما بأغنية الفنان العراقي سعدون جابر (عشرين عاما)، وكأني أغني معه:
قللي ايش جابك عَليْ …وأيش ذكّرك بينا
عشرين عام انقضتْ …وانت اللي ناسينا
شيّبنا شوف الشَعَر …لونه ايش عمل بينا
ذكرتينا بالزهور … وايام منسيّة

رغم أني لم أكن أسمع له، لكن هذه الأغنية مناسبة للذكرى!
في عام 1994م كان الفنان العراقي كاظم الساهر قد بدأ يشق طريقه مطربا بالفصيح، مع تخلل اللون العراقي، خصوصا ما كتبه الشاعر كريم العراقي، لكن الأجمل ما كان من شعر نَزار قباني، وهذه لها حديثها لاحقا.
كنت أقول في عام 1994م أول سنة دراستي كانت أجمل أغنية سمعتها لكاظم هي (يا ليل لا تنتهي)، أيام ما كان تلفزيون (الشباب) يبثها – نقلا – عن القنوات العربية بعد اخفاء علامتها!
من كلماتها:
يا ليل لا تنتهي… توني ابتديت الغزل
لاْرقصْ وأغني وأدقْ… والله لوما الخجل
الجو جميل وشاعري…الله… الله 
خليني أمتّع ناظري…يا ليل!
يا ليل توني افرحت… بعد انتظار وملل

إلى آخر تلك الكلمات القديمة..

رغم أن أغنية كاظم الساهر (عبرت الشط) كانت قد انتشرت عربيا، لكن لهذه الأغنية ذكرياتها في ذاك الزمان البعيد.
بعدها رافق كاظم شعر نَزار وظل في محرابه حتى اليوم.

(4)

عودة لأبي العلاء المعري في قصيدة المجاز السابقة الذكر يقول:
وعدَتْنا الأيامُ كلَّ عَجيبٍ،… وتَلَوْنَ الوعودَ بالإنجازِ

وأي وعود كانت يا أبا العلاء؟ بل قل وعيد لا وعود!
أما العجيب، فقد هالتنا بالعجائب المتلاحقة والتي فاقت الخيال، وصنعتْ (دستوبيا) لم يكتبها لا فكرافت نفسه!
بعد عشرين عاما طوّحت الأيام بأحلامنا بعيدا
والواقع أنها ليست الأيام بل السياسة التي صنعت ذلك، هذا من باب الإنصاف حتى لا نحمّل الأيام كل كوارثنا

إن الدنيا مسرح كبير – كما يقول شكسبير، وها نحن الممثلين نتابع فصولها المتنوعة ما بين الملهاة والمأساة، حتى لا نكاد نفرّق بين ملهاتها ومأساتها؛ فهي متداخلة معا!

(5)

منْ تبقّى مِنّا؟
ثلاث دول: فلسطين - العراق – اليمن؛ دول حضارات (سابقا)، ونكبات (لاحقا)، وقد رتبتها على حسب الترتيب الزمني للكوارث: 1948- 2003 -2015م

لكن...
هناك دولة موجودة في نفوسنا لم تمسها النكبات، إنها دولة الأمل الذي لم يخنْ فؤادي يوما من الأيام؛ الأمل باقٍ ما بقيت الحياة.
هل أثارت شجوني هذه الصورة؟
نعم، ذاك زمان قديم، ربما أفصّل الحديث عنه في قابل الأيام.
زمان الجامعة في مدينة الرمادي - محافظة الأنبار - العراق!!

#تلك_أيام_مضت

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015