»نشرت فى : الجمعة، 3 يوليو 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

الإنسانية المفقودة

نجد صعوبة في الغوص في أعماق الإنسان العربي المعاصر للبحث عن إنسانيته المفقودة، أو لنقل المشوهة؛ والتي شوهتها الأحداث الجارية!
هذه الإنسانية التي يفترض أن ترتقي على شهوة المصالح والانتماءات الضيقة التي تكبل هذا الإنسان، وهو يشاهد ما يجري على الأرض من مناطق الصراع سواء في اليمن أو سوريا أو العراق، خصوصا والإعلام أصبح يبث صور القتلى على الهواء مباشرة بعد كل مجزرة، لكن المفارقة أن تسمع الشماتة من هذا الطرف أو ذاك في أولئك القتلى وإن كانوا من المدنيين!





هل ألِف المواطن العربي صور الجثث طيلة الخمس السنوات الجاف المنصرمة حتى استمرأ تلك الصور، فلم تعد تؤثر فيه ولا تحرك فيه مشاعر إنسانية مفترضة؟ بدلا من ذلك فقد حركت مشاعر حقد دفين تمثل في شماتة ظاهرة، واستبشار لنصرة فريقه ضد الخصم الآخر، وطفحت هذه المشاعر على السطح في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي الفيسبوك وتويتر وليكند إن.

هل كانت المجتمعات العربية جاثمة على هذا المخزون من الحقد الدفين والذي انفجر في سنوات الحرب؟
هل أخرجت هذه الأحداث المارد من قمقمه فراح يعربد في كل اتجاه؟
الكل يعرف القصة كاملة، ومن يظن أن القصة تبدأ من أحداث عام 2011م، فراح يحملها وزر كل ما يجري؛
الذي يتعامل هكذا سيكون كمنْ يحكم على رواية من مجرد قراءة الفصل الأخير منها!

القصة تبدأ منذ عقود طويلة، من سنوات الأنظمة العربية التي جثمت على كرسي الحكم طيلة تلك العقود، وراكمت كل المشكلات الحياتية، حتى تمخضت تلك المشكلات انفجار 2011م!
لا أحد يستطيع أن يتجاهل هذا الأمر- مهما غالط نفسه- فإنه يدرك أن الركود السياسي الذي حل بالعالم العربي هو من أفرز ذاك الانفجار، أما الذين لا يعترفون بذلك فهم أحرار أن يؤمنوا بما شاءوا!

لكن لا يجب أن نتناسى أن الحاضر ما هو إلا وليد الماضي، ولا دخان بلا نار، والأفضل للطرفين المختلفين حول أحداث 2011م أن يتجاوزوا الأمر، بدلا من المهاترات حولها، لأن هذا التجاوز هو الذي يجعل الكل يفكر فيما يجري اليوم، وكيفية الخلاص من هذا النفق الذي دخلناه حيث لا بصيص ضوء فيه.

استعادة إنسانيتنا المفقودة، واستنكار الجرائم أيا كان مرتكبوها هو بداية الطريق لحل الكارثة التي حلت بنا جميعا، ومعرفة التاريخ الإنساني الذي يسجل أن الحرب لا تستمر إلى الأبد، وأن أطراف الصراع بإطالتهم لأتون هذه الحرب إنما يراكمون ضرائب المستقبل التي ستدفعها الشعوب أو منْ تبقى منها!

ضرائب من كل نوع؛ لعل أسوأها هي الأحقاد المتراكمة يوما بعد يوم، ناهيك عن التخلف – فوق التخلف الحاصل أصلا – عن ركب العالم المعاصر.
إن استمرار هذه الحروب ينذر بتوسعها لتشمل كل الأرض العربية بلا استثناء، خصوصا في ظل السياسيين المغامرين من كل الأطراف!

إن خاتمة القصة التي ستصير لائقة بنا أن نصبح من مندثرات التاريخ، وصنوان الديناصورات في متاحف التاريخ الطبيعي!
أما هذا الوطن العربي (الكسير)، فإنه سيصبح كما تصوّره الشاعر الكبير أحمد مطر، عندما قال: 
 
"وطنٌ لم يبقِ من آثارهِ غيرُ جدارٍ خَرِبِ،
لم تزلْ لاصقةً فيه بقايا من نفاياتِ الشعاراتِ وروثِ الخطبِ،
عاش حزب الـ...، يسقط الـخـا...، عـا ئد و...، والموت للمغتصبِ،
وعلى الهامشِ سطرٌ،
أثرٌ ليسَ له اسمٌ،
إنما كان اسمهُ يوماً بلادُ العربِ!"

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015