»نشرت فى : الجمعة، 16 أكتوبر 2020»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

ذات طريق ومواطن

 ذات طريق ومواطن


ها أنت تتمشى في أزقة المدينة القديمة المصلولة ويداك معقودتان خلف ظهرك في لا مبالاة أشبه بهذا الزمن. 


تسمع صدى خطواتك في هذا الصباح الباكر، 


لا يقطعها إلا أزيز (شولة) صاحب (الزلابيا) القادم من منتصف السوق القديم. 


رغم أن الوقت ما زال باكرا إلا أن الحياة قد دبت في السوق القديم أشبه بهمهمة في مجلس قات! 


أنت تخترق هذا السوق بشكل يومي في طريقك نحو عملك. 



تشاهد نفس المناظر التي تطالعها كل صباح؛ 


صاحب (الزلابيا) وشولته المشتعلة، 

والحوانيت الصغيرة والتي لا تكاد تفتح أبوابها في تلك الساعة المبكرة باستثناء (الرعوي) الذي يفتح دكانه باكرا، ذلك الدكان الذي ظل فيه ثلاثين سنة حتى اليوم، وهو يلتقط النقود من الأطفال بخشبة ممدودة مثبتة في طرفها ما يشبه إناء! 


تمتد هذه الطريق المصلولة من ساحة الجامع الكبير الغربية إلى السوق المركزي، مخترقة أمام بيت (الغرباني) ثم تمضي هنيهة للغرب لتتفرع إلى فرعين أحدهما ضيق على اليمين يفضي إلى مطاعم شعبية تراصت نهاية الفرع الضيق، لعل أشهرها مطعم (الصامت) و(العرومي). 

أما الفرع الآخر جهة اليسار، هو الأوسع، يمتد ليلتقي مع الفرع الضيق في سوق القات القديم أو ما يسميه الأهالي السوق الأعلى، وهم ينطقون (الأعلى) بياء، وليس بألف مقصورة! 


ثم يستمر الطرق يلتوي ليبدأ بالانحدار غربا ثم يلتوي متوجها للسوق المركزي القابع إلى اليمين منه، في حين تتفرع منه جهة اليمين في بداية انحداره درج حجرية تمر تحت عقد الباب الكبير المفضي هو الآخر للسوق المركزي أيضا. 


هذه طريقك اليومية التي ظللت تراوح العبور فيها طيلة أكثر من عقد ونصف في آلية جعلت منك روبوتا بشريا ببدلتك السوداء دون رباط عنق الذي تنفر من لبسه، لكن صباح هذا اليوم لم يكن هناك دوام، بل كان خروجك بحكم العادة والألفة التي لازمتك. 


ها أنت تهبط الدرج المفضية للسوق المركزي، لكن تتوقف في منتصف الدرج مصوبا النظر إلى البعيد حيث تركّز على ميدان الكبسي الموجود شمال السوق المركزي، ثم تواصل نزولك الدرج. 


كنت مرتديا الجَنْبِيَة والثوب والغترة المسدولة على الكتفين من فوق الكوت، ذلك الزي الشعبي الذي ترتديه منذ عرفت نفسك شابا. 


إلى أين؟ 

إلى لا مكان! 

مجرد تجوال لا هدف له سوى التجوال لذات التجوال، ولسان حالي كما قال مولانا البردوني: 

أو قلْ: ما اخترتُ ولا اخترتم

طبَعتنا العادة والألفه


نعم، لقد طبَعتنا العادة والألفه، وما حياتنا إلا تكيف مع عاداتنا وآلافها.

    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015