مواطن في زمن الفيسبوك
مواطن في زمن الفيسبوك
(1)
ولدنا وهذه التكنولوجيا كانت إرهاصاتها موجودة حولنا،
فقد جاء الكمبيوتر،
فالإنترنت،
ثم كان الفيسبوك Facebook
ولا أدري أي ترجمة عربية للكلمة؟!
هو فيسبوك وكفى ..
لو أردنا أن نتشدد ونترجم حرفيا، لجاءت الترجمات على النحو التالي :
- كتاب الوجه!
- لوح المواجهة
- كتاب إسمي / ظاهري / خارجي…الخ.
وغيرها من الاجتهادات القائمة على تباديل وتوافيق كلمتي face و book
وربما اختلفت مجاميع اللغة عندنا حول المصطلح (كالمعتاد!)، وكل واحد منها أخذ بترجمة معينة، لكن الشائع هو الاسم الإنجليزي بحروف عربية (الفيسبوك) والذي يُختصر إلى الفيس.
(2)
عالَم الفيسبوك ذلك الوهم اللذيذ!
صحيح أنه عالَم افتراضي، لكنْ المتواجدون فيه هم أناس حقيقيون - وإن استتروا خلف أسماء مستعارة – هؤلاء الناس منهم منْ نعرفهم على الواقع كأصدقاء قبل الفيس، وآخرين لا نعرفهم ولا تربطنا بهم صلة إلا حساباتهم على الفيس..
أصدقاء من كل بقعة جغرافية على هذه المعمورة تملك خدمة إنترنت.
لا يهمك الأسماء، لأنها قد تكون مستعارة، كذلك الأجناس واللغات والأديان وغيرها
المهم أن هناك شخص أمام الشاشة تتحاور معه ..
(3)
هل الفيس يمثل هروب من الواقع؟
مممممممم…لماذا هروب؟
الواقع سيئ صحيح، لكن الفيس مجرد واقع افتراضي في نهاية المطاف..
يعني جملة (بايتات Bytes)!
ومهما كان هذا الواقع الافتراضي جميلا، فإنه لاوجود له إلا على (سطح المكتب)
تماما مثل الحُلم لاوجود له إلا في مخيلتنا!
صحيح أن هناك حالات إدمان لهذا الواقع الافتراضي، لكن هذا الإدمان لن يغيّر من الواقع المُعاش كثيرا
فمنْ يتخذ الفيس ملجأ أو مهربا من واقعه، فهو كمنْ يتلهى بالغيبوبة لكي لا يفيق!
ولا ننسى أن منْ صنع هذا الواقع الافتراضي لم يأتِ به من فراغ، بل هو صدى الواقع المُعاش..
فهل يمكننا فصل واقع الفيس الافتراضي عن الواقع المُعاش؟
نعم ربما، لكن بشكل ضئيل جدا، تماما كما تفصل أحلام اليقظة صاحبها عن واقعه،
وما أحلام اليقظة إلا تفكير في الواقع المُعاش عن طريق التمني والتخيل وهذا التفكير يدور في واقع موازٍ لهذا الواقع المُعاش لكن في مخيلة الشخص المفكر، لكنها لحظات معدودة ونعود لواقعنا الواقع على رؤوسنا!
ونجد في واقع الفيس الافتراضي يوجد الواقع المُعاش (مضخّما) على الحائط ..
فهناك أخبار السياسة والفن والأدب والرياضة والعلوم …الخ.
مع التحليلات والتعليقات والجدال واللجَاجَة في الجدال، والسب والشتم – إن تطوّر الأمر-
أليس هذا هو الواقع المُعاش؟
(4)
أنا شخصيا ممتن للفيس، لأني عن طريقه تعرّفت على أشخاص ما كنت لأعرفهم بدونه، ربما كنت سأقرأ إبداعاتهم الأدبية والفكرية وغيرها أو أسمع عنها، لكن أن يصبحوا أصدقاء افتراضيين لي ونتحاور على صفحات الفيس أو عبر الدردشات الخاصة، فهذا أمر جميل للغاية..
ربما قلتم أن الماسنجر كان يفي بالغرض، ربما لكن ليس مثل حائط الفيس، ولا مجموعاته، ولا صفحاته المتخصصة..
وبالمثل تعرّفت أكثر على أناس كنت أظن أني أعرفهم، بحكم كونهم أقرباء أو أصدقاء من نفس الحارة أو المدينة، لكن كتاباتهم على حوائطهم عرّفتني بهم أكثر وأخرجت مكنون أفكارهم أكثر، بالتحديد عرتهم تماما!
فشكلت شخصياتهم لي من جديد بصورة أكثر وضوحا مما كان سابقا..
الفيس جعل كل واحد منا (شهيدا) على نفسه، وعلى مكنون صدره، يبوح بذلك دون ضغط ولا اضطرار بقلمه، أو بالأصح بأزرار (كيبورده) على حائطه الشخصي ..
(5)
مواقع التواصل الاجتماعي – التي الفيس واحدا منها – هي صبغة هذا العصر الإلكتروني الذي نعيشه؛
فالفيسبوك Facebook والتوتيتر Twiter واللينكد إن Linked in وغيرها هي أدوات تواصل بين الناس عبر ثبج الإنترنت، لكن العرب جعلوا منها مواقع للتدابر والقطيعة الاجتماعية – إلا ما رحم ربك،
فهل سوء استخدام التكنولوجيا هي خصيصة لاصقة بنا نحن العرب؟
لا أدري الإجابة تماما،
لكننا أمة أدمنت الجدال في كل شيء، فلِمَ لا تفعل ذلك على حائط الفيسبوك؟
أليس مجرد واقع افتراضي؟
إن مجرد مرورك على حوائط أشخاص ينتمون لجغرافيا عربية، وقراءتك لمنشوراتهم ستخرج بنتيجة تقريبية لمستوى الثقافة التي يحملها أولئك..
يكاد يكون الفيسبوك يكون اختبارا حرا على صفحته البيضاء لكل مرتاد لهذا الواقع العجيب
هو اختبار لصدى ثقافة الواقع المُعاش على مرتاد الواقع الافتراضي
اختبار بلا أسئلة (إذا استثنينا سؤال الفيسبوك التقليدي)
وتكاد صفحته البيضاء تغريك قائلة :
تعال / اكتب/ عبّر / علّق بلا قيد ولا سقف
هيّا شارك/ ناقش …الخ.
كن واحدا من العديدين الغارقين في خضم هذا الواقع الافتراضي، واستمتع بهذا الوهم اللذيذ!
(6)
لماذا تسميه وهم؟
سؤال طُرح عليّ ذات يوم
نعم أسميه وهم؛ لأنه مجرد واقع افتراضي لاوجود له!
أحيانا أراجع نفسي حول ذلك، لأني أجد حوائط الفيسبوك متفاعلة مع أحداث الحياة اليومية أكثر من مجرى الحياة اليومية نفسها؟!
الناس في حياتهم اليومية شغلتهم همومها عن التفاعل مع واقعهم المُعاش إلا ما يمس أشخاصهم، لكن المواضيع العامة صارت مثل أخبار النشرات، مجرد لازمة لإتمام الشكل الخارجي فقط!
مثلها مثل أخبار الطقس!!
لكني أجد حوائط الفيس متفاعلة مع أي طرح ينتشر – ولو كان موضوعا تافها- وأحس نبض الشارع موجود على الفيس أكثر من الشارع نفسه!
فهل السبب أنه عالَم افتراضي، فالناس تتفاعل معه لقوة لعلمها أنه افتراضي- لا أثر له؟
أم أنه الفراغ الذي يجعل الناس تريد أن تتفاعل مع أي شيء يجدّ على الفيس؟
لذا يتبارد إلى الذهن خاطر غريب؛ أي الواقعين هو الافتراضي؟
من كتابي على قارعة الويب
#مواطن_في_زمن_الفيسبوك
اضف تعليقاً عبر:
إرسال تعليق