»نشرت فى : السبت، 22 نوفمبر 2025»بواسطة : »ليست هناك تعليقات

من حكايات حارتنا 3


حارتنا واحدة من حارات الدنيا الضيقة، التي لا تنتهي حكاياتها ولن تنتهي...

وهنا أدوّن بعضاً من تلكمُ الحكايات...


(1): حكاية (عمل الشيخ)


كان زميلي في (النهضة) أيام الدراسة الثانوية، وقد التقيته في أحد مطاعم المدينة القديمة الشعبية، وبعد التراحيب و(العزومات) والسلام والطعام، جلسنا نرتشف الشاي ونتجاذب أطراف الحديث عن الأحوال؛ قلت: وأيش تشتغل هذي الأيام؟

تنحنح وقال: أنا طبعاً لم أكمل دراستي، لكنني اشتغلت شيخ!

قلت:  كيف يعني، اشتغلت شيخ؟

قال: صرتُ شيخاً، والناس تأتي تقيّل في مجلسي.

قلت: لم أكن أعرف أن المَشْيَخَة شُغْل!

كنت أظنها تتوارث أباً عن جد.

ضحك وقال: كان زمان.. اليوم منْ أراد يصبح شيخاً.

قلت: ما أعرفه أن المشايخ يكون معهم سلطة وهيلمان، وأنا لا أرى مرافقين بعدك ولا سيارة معك ولا شيء.

قال: لا، لا.. يبدو أن فهمك عن المشيخة مغلوط؛ المشيخة مش (هَنْجَمَة) على الناس ]الهَنْجَمَة بالعامية اليمنية تعني إبراز مظاهر القوة والتحدي[، وتفاخر بالسيارات والمرافقين، لكن المشيخة حظوة بين الناس بحيث يثقون بك.

قلت: لعلك تقصد أنك شيخ دين؟

قال: لا، ولا هذي أيضاً.

أنا شيخ نفسي.

تفرقنا على أمل اللقاء، ذات يوم في مجلسه.. مجلس شيخ نفسه!

***


(2): حكاية (مدرس في زمن السقوط)


عرفْتُه يمنيَّاً في تلفُّتِه

خوفٌ… وعيناهُ تاريخٌ من الرَّمَدِ.

هكذا قال مولانا البردّوني ذات زمن، وكأن البيت الشعري لا يزال سارياً لوصف اليمنيين في هذا الزمن الغريب!

صديقي أحد هؤلاء الموصوفين بذلك، إنه مدرس، وما أدراك ما معنى مدرس في هذه الأيام؟!

إنه واحد من أشد الطبقات الاجتماعية تأثراً بما يجري في بلدنا.

عرفته منذ زمن طويل، منذ أيام عملنا معا في إحدى قرى ريفنا المنسي في تسعينيات القرن المنصرم.

أيام ما كنت أؤدي خدمة التدريس الإلزامي بعد الثانوية العامة، وكان صديقي قريب عهد التخرج من الجامعة آنذاك.

ثم مرت الأيام وتفرّقنا بعد ذلك شذر مذر في هذه الدنيا الواسعة، حتى كان لقائي به ذات مصادفة في مناسبة اجتماعية.

- كيف الحال؟

- الحال قد تمت إحالته على المعاش!

ثم ابتسم وقهقه ضاحكاً، ليكمل: ذكّرتني بالمعاش.

- والله زمان... أيش عامل؟

- عامل فاضي!

- الناس كلهم كذلك.

- أيوه، بس والله العيشة صارت تَعَبْ.. تَعَبْ بكل ما لكلمة (تعب) من معنى.

- ربك كريم، لا بد من خير..

- نعم، لا بد من خير، نحن نمنّي أنفسنا بذلك، ولكني لا أظن أن هذا الخير سيأتي قريباً.

- ليش هذا التشاؤم؟ لا تنسَ أن الغيب بيد الله...

- أيوه عارف، بس شواهد الأوضاع المحلية والإقليمية وحتى الدولية تقول: الصراع ثم الصراع.. كل الجهات تشتعل ولو ببطء.. ونحن جزء من كل هذا.

- يعني؟

سرح ببصره بعيداً ثم قال: أظن أن الأمور والأزمات ستزداد تعقيداً.. وستطول المعاناة إلى أجل غير مسمى.

- خليها على الله...

- ما أحنا طول الوقت متكلين على الله لدرجة التواكل، وما بعد التواكل!

حتى أننا لم نبذل أي جهدٍ يُذكر في حياتنا، وهذا ما أوصلنا إلى ما نحن فيه.

- هل صار التوكل على الله جريمة؟

- يا صديقي، ما نمارسه ليس توكلاً، فلا تغالط نفسك، بل تكاسلاً مُفْرِطاً.

وعلى العموم ها نحن قد حصدنا ما جنيناه، ولا نزال.

***


(3): حكاية غريب الحارة


حارتنا تتغير ديموغرافياً؛ فقد أنشئت عمارات جديدة وهُدت أخرى عتيقة، وجوه جديدة قدمت على الحارة، صرت أنا - ابن الحارة - لا أتبين ملامح أحد، كل يوم يطالعني وجه جديد، ولكنة جديدة لم تألفها أذناي...

حتى قهوة الحارة العتيقة تغيرت؛ لقد صارت نادياً رياضياً لشباب الحارة الجدد.. 

باختصار لقد صرت غريبا في حارتي!

***


وتستمر الحكايات..


    اضف تعليقاً عبر:

  • blogger
  • disqus
design by : bloggerinarab, powered by : blogger
كافة الحقوق محفوظة لمدونة عيون المعرفة 2014 - 2015